وبذلك تستريح حاجاته في حركتها في دائرته الشعورية عند ما يستريح إيمانه بالله في دائرته العقيدية والروحية.
* * *
التوحيد في الاستعانة بالله
وإذا كانت الآية الكريمة قد أكدت على التوحيد في العبادة ، فقد أكدت على التوحيد في الاستعانة. فإذا كان الله لا يريد لنا أن نعبد غيره ، فإنه لا يريد لنا أن نستعين بغيره ، لتكون الاستعانة به وحده.
ولكن كيف نفهم معنى التوحيد في الاستعانة بالله؟
فهل نفهم من ذلك أن الإنسان لا يملك الاستقلال في أموره ، وبالتالي لا بد له من الاستعانة بالله في كل شيء ، ليكون فعله مظهرا لفعل الله ، فتكون نسبته إلى الله هي النسبة الحقيقية ، بينما تكون نسبته إلى نفسه بالطريقة الآلية أو الشكلية؟ أو نفهم من ذلك أن الإنسان يملك القدرة على الفعل ، ولكن من حيث ما أعطاه الله ، مع بقاء الارتباط بالله مستمرّا في حركة هذه القدرة في وجوده ، فهو الذي يمدّها بالقوة في طبيعتها ، وهو القادر على أن يأخذها منه ، فيكون للفعل نسبة إلى الله من خلال أنّ إرادته هي عمق القوة في قوّة الإنسان وحركته ، فلولاه لما وجد ولما تمكن من الحركة ، ولما استمرّ في ممارسة إرادته الحركية ، كما يكون للفعل نسبة إلى الإنسان الفاعل باعتبار صدوره منه من خلال إرادته المنطلقة من مواقع قوّته الكامنة في طبيعة وجوده؟
إننا نفهم المسألة في الخط الثاني ، لأن الخط الأول يلغي عنصر الاختيار في الإنسان ، فيبطل الثواب والعقاب على هذا الأساس. أمّا الخط الثاني فيؤكد الاختيار كما يؤكد الإرادة الإلهية في المعونة التكوينية في البدء والاستمرار.