بأنفسهم ، بحيث يخلقون أفعالهم من موقع قدرتهم الذاتية من دون أن يكون لله دخل في ذلك » ، فإن هذه الفكرة توحي بتعدد الخالق ، وانعزال الله عن التصرف في حركة الكون.
ومن خلال ذلك ، كان الاعتراف بالتوحيد في الاستعانة ، يمثل الإقرار العميق بأن العبد لا يستطيع أن يتحرك إلّا من خلال ما يمدّه الله به من معونة ، في ما يملكه من شمولية القدرة في كل مصادرها ومواردها ، سواء كانت متمثلة بالقوى البشرية أو الحيوانية أو الجامدة.
وهذا ما يؤكد وحدة التوجه إلى الله والتوسّل به ، مما يجعل الشخصية الإسلامية مرتبطة به ـ وحده ـ حتى في مواقع حاجاتها الطبيعية المرتبطة ، في حركتها الكونية ، بقانون السببية ، في علاقة الظواهر بأسبابها الكونية أو الاختيارية ، فلا تكون الأسباب واسطة في الإرادة ، بل هي واسطة في حركة الوجود في علاقة الأشياء ببعضها البعض.
* * *
لا واسطة بين العبد وربه
وقد نلاحظ في الارتباط الإنساني بوحدانية العبادة والاستعانة في خطاب العبد لربه في هذه الآية الكريمة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أن الإنسان لا يحتاج ، في حديثه مع الله ، وفي طلبه منه ، إلى أية واسطة من بشر أو غيره ، لأن الله لا يبتعد عن عبده ، ولا يضع أيّ فاصل بينه وبينه ، إلّا ما يضعه العبد من فواصل تبعده عن مواقع رحمته ، وتحبس دعاءه عن الصعود إلى درجات القرب من الله. ولذا أراد من عباده أن يدعوه بشكل مباشر ليستجيب لهم ، وحدّثهم عن قربه منهم بحيث يسمع كلامهم وإن كان بمثل