بالآباء والأجداد ، أو من خلال استغراقهم في المألوف من أفكار البيئة التي عاشوا فيها ، في عملية انجذاب لكل الأوضاع المتحركة في داخلها أو المحيطة بها ، وتأثر بكل المشاعر المتنوعة في مؤثراتها النفسية وبكل الإيحاءات المختلفة في أبعادها الذاتية ، الأمر الذي يجعلهم مشدودين إلى كل ذلك ، كما لو كان هو الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. ثم تتطور المسألة إلى ما يشبه التعصب الذي يرفض الرأي المضاد كما يرفض التفكير فيه ، لأنه لا يريد أن يبتعد عن المألوف من الفكر الذي تربّى عليه ، أو لا يريد أن يتعب نفسه بالتفكير في ذلك ، بل يواجه المسألة بطريقة اللّامبالاة على أساس الاسترخاء الفكري والعاطفي.
وهؤلاء الضالّون لا يملكون الحجّة على ضلالتهم ، لأن الله خلق لهم عقولا ، وأراد لهم أن يحرّكوها في عملية إنتاج الفكر الذي يهدي إلى الحق ، وخلق لهم أسماعا وأبصارا وألسنة ، يستطيعون من خلالها أن يملكوا الوسائل التي توصلهم إلى معرفة المفردات الكونية والإنسانية ، والتي ينطلقون من خلالها إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر ، كما أرسل إليهم رسلا يبلّغونهم رسالات الله في الدائرة التي يمكن للعقل أن ينحرف فيها عن الصواب ، أو التي لا يملك خلالها الوسائل الطبيعية لمعرفته بشكل مباشر ، وأودع في كيانهم قلق المعرفة الذي يدفعهم للبحث والتأمل عند إثارة الشك أو الاحتمال في داخلهم ، بحيث يشعرون بالتقصير عند ما يتجمّدون أمامه ، ولا يتحركون للتعرّف على طبيعة المضمون الذي يثيره في آفاق النفس إزاء الواقع.
* * *
الثقافة المتحركة
وهكذا تمثّل هذه الفقرة من السورة جولة أفق فكريّة وشعوريّة في مواقع