(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) (٨)
____________________________________
الانتساب إلى الموصوف عند السامع قبل جعلها صفة له ولا ريب فى أن صلى النار وما قبله من الخشوع والعمل والنصب أمور متساوية فى الانتساب إلى الوجوه معرفة وجهالة فجعل بعضها عنوانا للموضوع قيدا مفروغا عنه غير مقصود الإفادة وبعضها مناطا للإفادة تحكم بحت ويجوز أن يكون هذا وما بعده من الجملتين استئنافا مبينا لتفاصيل أحوالها (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أى متناهية فى الحر كما فى قوله تعالى (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) بيان لطعامهم إثر بيان شرابهم والضريع ييس الشبرق وهو شوك ترعاه الإبل مادام رطبا وإذا يبس تحامته وهو سم قاتل وقيل هى شجرة نارية تشبه الضريع وقال ابن كيسان هو طعام يضرعون عنده ويذلون ويتضرعون إلى الله تعالى طلبا للخلاص منه فسمى بذلك وهذا طعام لبعض أهل النار والزقوم والغسلين لآخرين (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أى ليس من شأنه الإسمان والإشباع كما هو شأن طعام الدنيا وإنما هو شىء يضطرون إلى أكله من غير أن يكون له دفع لضرورتهم لكن لا على أن لهم استعدادا للشبع والسمن إلا أنه لا يفيدهم شيئا منهما بل على أنه لا استعداد من جهتهم ولا إفادة من جهة طعامهم وتحقيق ذلك أن جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما فى هذه النشأة من حالة عارضة للإنسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن مشوقة له إلى المطعوم والمشروب بحيث يلتذ بهما عند الأكل والشرب ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما فى المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنا عند انهضامهما بل جوعهم عبارة عن اضطرام النار فى أحشائهم إلى إدخال شىء كثيف يملؤها ويخرج ما فيها من اللهب وإما أن يكون لهم شوق إلى مطعوم ما أو التذاذ به عند الأكل واستغناء به عن الغير أو استفادة قوة فهيهات وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه فى بطونهم إلى شىء مائع بارد يطفئه من غير أن يكون لهم التذاذ بشربه أو استفادة قوة به فى الجملة وهو المعنى بما روى أنه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم إلى أكل الضريع فإذا أكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم إلى شرب الحميم فيشوى وجوههم ويقطع أمعاءهم وتنكير الجوع للتحقير أى لا يغنى من جوع ما وتأخير نفى الإغناء منه لمراعاة الفواصل والتوسل به إلى التصريح بنفى كلا الأمرين إذ لو قدم لما احتيج إلى ذكر نفى الإسمان ضرورة استلزام نفى الإغناء عن الجوع إياه بخلاف العكس ولذلك كرر لا لتأكيد النفى وقوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) شروع فى رواية حديث أهل الجنة وتقديم حكاية حال أهل النار لأنه أدخل