العهد؟ وما مضمونه ، وما الحجة فيه؟ ولا نجد لديكم شيئا من ذلك كله ، (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)؟ فتكذبون على الله وتنسبون إليه ما لم ينزل به سلطانا ، وتلك هي الجريمة الكبرى.
* * *
العمل أساس الخلود في الجنة أو في النار
(بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) يؤكد القرآن في هاتين الآيتين القاعدة للخلود في الجنة أو في النار ، بعيدا عن كل الامتيازات ، أو الاستثناءات المتوهمة للأشخاص أو للأمم ، فليس في الآخرة طبقات على المستوى المعروف لدى الناس في الدنيا ، لأن الطبقية هنا تنشأ من حصول الإنسان على امتياز ماديّ أو معنويّ ، يتميز به عن غيره ، فيجعل له قيمة متميزة لدى سائر الناس ؛ أمّا في الآخرة ، فالجميع متساوون أمام الله ؛ فلا علاقة لأحد بالله أكثر من غيره ، من ناحية ذاتية ، لأنهم مخلوقون له ، ومن ناحية الصفات ، لأنها هبة من الله ، فلا مجال هناك إلا للعمل وحده ، فهو القيمة الأولى والأخيرة التي ترفع مستوى الإنسان عند الله ، ولهذا كانت قضية الجنة والنار خاضعة للعمل لجهة خلود الإنسان في الثواب والعقاب ؛ فأمّا الخالدون في النار فهم الذين واقعوا الخطيئة من قاعدة روحية وفكرية وعملية ، فهي محيطة بهم من كل جانب وليست شيئا طارئا مما يحدث للإنسان ، كنتيجة لنزوة سريعة. إنهم يعتقدونها ثم يعيشونها فكرا وشعورا وعملا ، وهؤلاء هم المجرمون المتمردون الذين يواجهون الحق من موقع الوضوح في الرؤية ، ولكنّهم يصرّون على الابتعاد عنه والتمرد عليه ، والمتاجرة بكلماته بعيدا عن روحه ، والتحريف لآياته ؛ وهؤلاء هم الذين لا يتطلعون إلى الإيمان بالله بروحية منفتحة تخشع أمام ذكره وتخضع لآياته ، وتستسلم لأوامره