الأصيلة للتشريع ، ليطّلعوا على الإمكانات الفكرية والقانونية التي تستطيع أن تدفع بحياة المجتمع إلى الأمام. وقد لا يكفينا ـ في إهمال هذه الجوانب من التشريع الإسلامي ـ أن نلاحظ عدم انسجام الشكل العملي للأوضاع الإدارية والسياسية والاقتصادية التي كانت في الماضي ـ عند ما كان الإسلام يحكم الحياة ـ مع الشكل الموجود الآن ، لأن من الممكن للاجتهاد الإسلامي أن يلاحظ وجود بدائل من قلب التشريع مما يملأ هذا الفراغ.
إن المسلم يحمل في وعيه الإسلامي فكرة إجمالية عن الحقيقة الإسلامية التالية : وهي أن لله في كل واقعة من وقائع الحياة حكما شرعيا محدّدا يصيبه من يصيبه ويخطئه من يخطئه ، وهذه الفكرة وإن كانت صحيحة إجمالا ، فهي لا تتعارض وإمكان وجود فراغ يمارس فيه ولي الأمر حرية التحرك في بعض المجالات العملية العامة ؛ كما يفرض على المفكرين المسلمين متابعة البحث عن الأحكام الشرعية ، في كل ما استحدثه الإنسان من أوضاع الحياة وشؤونها وأساليبها ، في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، لئلا يبقى الإنسان المسلم في حيرة أمام حركة التطور العام في الحياة ، إذ يبقى هذا البحث خاضعا للمبادئ العامة والتصورات الكلية للشريعة ، لا مجرد اجتهاد آخر خال من أي ضوابط مقررة. من هنا ، فإننا لا نبرر اختيار أساليب الفكر المضادّ في بعض الجوانب ، والأخذ بالإسلام في البعض الآخر ، لأننا نكون مصداقا لقول الله في حديثه عن اليهود: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).
٣ ـ إن الله يعتبر الشريعة ميثاقا بين الله وبين عباده ، لأن الالتزام بها يمثل الإقرار بمضمونها ، تماما كما هو الالتزام ضمن أيّ عهد من العهود ، وبذلك يتحول العصيان والتمرد والانحراف إلى عملية خيانة للعهد ونقض له ، مما يجعل الصورة قاتمة في داخل الذات ، فتوحي للإنسان باحتقار نفسه ، كما في أيّة حالة من حالات الخيانة ، وقد يكون من الخير لنا العمل على إثارة هذا