وتفكيرهم وأساليبهم في الصراع ، مما يجعل من القضايا المثارة فيها نموذجا حيا يحتذي في كل زمان ومكان.
* * *
العمق الإنساني للأسلوب القرآني
ونلاحظ في هذا الفصل روعة الأسلوب القرآني في عمقه الإنساني وامتداده الروحي والفكري ، فلم يلجأ إلى المواجهة الشديدة القاسية التي تهاجم خصومها من موقع العداوة ، ولم يتعقّد من الأساليب الملتوية التي كانوا يمارسونها ضد الرسالة والرسول ، بل انطلق من موقع القاعدة الإسلامية الصلبة التي تحاكم أعداءها من خلال خطواتهم العملية ومواقفهم العدوانية في التاريخ ، وتمتد هذه المواقف إلى بدايات الرسالات السماوية التي انطلقت في حياة الناس لتجعل من بني إسرائيل الأنبياء والرسل ، مما يحقق لهم الفضل الكبير والميزة الفضلى ، لكنهم لم يشكروا ولم يتحركوا في هذا الخط المستقيم ، بل تمردوا وانحرفوا وقتلوا الأنبياء بغير حق ، وعاثوا في الأرض فسادا ، وظنوا أن هذه الامتيازات مرتكزة على أساس مقوّماتهم الذاتية التي يتميزون بها عن بقية الشعوب ، باعتبارهم الشعب الأقرب إلى الله ، المختار لديه ... ثم تلتفت الآيات القرآنية إلى الحاضر ، لتحصي عليهم زلاتهم وجرائمهم ووقوفهم في الواجهة العريضة من خصوم الدعوة وأعدائها.
ونجد ، في هذه المحاكمة الطويلة ، الروح السمحة التي تنفتح على هؤلاء ، لتدعوهم ، بكل حنان ، إلى التراجع عن الموقف الخطأ ، والرجوع إلى الموقف الصحيح ، والانفتاح على تقوى الله بكل وداعة وحنان وواقعية ، للإيحاء بأن الإنسان مهما ابتعد عن الله ، ومهما انحرف عن خطه المستقيم ، فإن الله لا يهمله ولا يتركه لهواه ، بل يتعهده بالرعاية ، فيدعوه إليه ليفتح قلبه وروحه على الحق.