الآية التي يستعرض فيها النبوّات من لدن موسى الذي جاء وبيده كتاب الله ، مرورا بالرسل الذين جاءوا من بعده ، وانتهاء بعيسى الذي أرسله الله ، ومعه البينات التي تثبت رسالته ونبوّته وأيّده بروح القدس. إن الموقف الذي يحكم سلوكهم من كل نبي هو موافقته لشهواتهم وأطماعهم وأهوائهم أو عدم موافقته لذلك ، فإذا لم يحقق لهم ما يريدون ولم يوافق على ما يشتهون ، فإنهم يستكبرون عليه بما يملكون من جاه ومال وقوة ، ومن تاريخ رسالي ، ومن كتاب سماوي يتبجحون بالانتماء إليه ... ويعبرون عن ذلك بالتكذيب تارة لبعض الأنبياء الذين لا يستطيعون قتلهم نتيجة الظروف الموضوعية الخاصة ، مما يدخل في حساب القوة الذاتية للنبي لكثرة قومه كما في قوم شعيب ، وبالقتل أخرى للأنبياء الذين لا يملكون أيّ نوع من أنواع القوة التي تمنحهم الحصانة في نظر بني إسرائيل. وكأن القرآن يريد أن يعطي الموقف الذي يقفه اليهود من النبي محمد صلىاللهعليهوآله بعدا تاريخيا يدخل في حساب تكوين الشخصية ، وفي العقدة المتأصلة التي يعاني منها هذا الشعب بشكل عام من الأنبياء ورسالاتهم.
* * *
ادعاؤهم عدم الفهم
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) أي مغلقة عن وعي الأفكار والدعوات والتعاليم التي يدعون إليها ، وهذا ما كانوا يواجهون به الأنبياء الذين يطلبون منهم الفهم والتأمل في ما يقدم إليهم من براهين وحجج وآيات ، فكان ردّ الفعل لديهم تظاهرهم بعدم الفهم أو بعدم القدرة على الإدراك ، لأن قلوبهم لا تملك الذكاء الذي تستطيع من خلاله الوصول إلى أبعاد القضية. وقد يكون هذا الزعم هروبا من الدخول في عملية الحوار ، وقد يكون استهزاء وسخرية بالنبي عند ما