يقابلونه بهذا المنطق ، الذي يجعله حائرا لا يدري كيف يواجه الموقف الجديد الذي لا يحقق أيّ صدى لصوته ، وهذا ما جعل التعليق القرآني عليهم عنيفا قاسيا ، لأنهم لا ينطلقون من مواقع صحيحة ، (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) فقلوبهم كقلوب بقية الناس ، وأفكارهم كأفكارهم في إمكان التقائها بالحقيقة ووعيها للمفاهيم التي تقدم إليها ، وقدرتها على الدخول في عملية الحوار والمناقشة ، ولكنهم فضلوا الكفر على الإيمان. ولمّا لم يجدوا حجة على موقفهم الكافر ، لجأوا إلى هذا المنطق ليبرّروا ذلك ، فأبعدهم الله عن ساحته ، وهذا معنى اللعن لغة ؛ (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) لأنهم لا يريدون الإيمان.
* * *
كفرهم بدعوة النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
وجاء القرآن على لسان النبي محمد صلىاللهعليهوآله يحمل في آياته التصديق لما في التوراة من عقيدة ومفهوم وتشريع ، ليكون ذلك حجة عليهم من الله ، لأن التوراة لم تكن منتشرة بين الناس ليتهموه بنقلها وتعلّمها ، بل كانت محتكرة عند اليهود بلغة غير عربية ، وكان اليهود قبل الرسالة (يَسْتَفْتِحُونَ) أي يطلبون الفتح والنصر على الكافرين الوثنيين المقيمين في المدينة عند اشتداد المشاكل والخلافات فيما بينهم وشعورهم بالضعف أمام قوة الآخرين ، ويقولون لهم : إننا سنكون في موقف القوة عند ظهور النبي الموعود في هذه البلاد ، فنقتلكم ونهلككم لأنه سيكون معنا فينصرنا عليكم. وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) لأن الرسالة الإسلامية كبقية الرسالات التي سبقتها ، لم تأت لتنسف الرسالات المتقدمة أو تنسخها بل لتكملها ، ولذا جاء الحديث المأثور عن النبي محمد صلىاللهعليهوآله : «إنما