يأتيه ملك من عند ربه عزوجل بالرسالة بالوحي ، فمن صاحبك؟ قال : جبريل ، قالوا : ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ، ذاك عدوّنا ، لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) إلى قوله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (١).
* * *
اليهود والاعتراض الطفولي
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) الذي هو الملك المقرب عند الله ، المكلّف بنقل رسالته إلى أنبيائه ـ ولا سيما النبي محمد صلىاللهعليهوآله ـ (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) ليكون وعيك له في عقلك فتحفظه وتتفهّم معانيه. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب المنزّلة على الرسل السابقين ، لأن القرآن لم يأت ناسخا لما في الكتب كلها ، ولكنه جاء معترفا بها ومصدقا لما فيها ومكمّلا لما يحتاجه الناس مما استجدّ من قضايا ومشاكل بعد نزولها ، فإن قيمة الرسالات الإلهية أنها ـ في مضمونها الفكري ـ يلتقي بعضها مع بعض لتكون حقا (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) في ما ينتظرهم من النتائج الطيبة بالتزامهم بما فيها في حياتهم العملية ...
فإذا كان جبريل برسالته الإلهية التي نزّلها على قلبك ، مما يوحي باصطفاء الله له في حمل الرسالة إليك من بين الملائكة ، وإذا كان قد جاء بها بإذن الله لا من خلال نفسه ، فإن المفروض أن يكون في موقع الإعزاز والمحبة والتقدير لدى المؤمنين ، لأن الإنسان المؤمن يحب من يحبه الله ويبغض من أبغضه ، فكيف تجمعون بين حبكم لله وعداوتكم لحبيبه جبريل؟!
__________________
(١) الواحدي ، أبو الحسن علي بن أحمد (النيسابوري) ، أسباب النزول ، دار الفكر ، ١٤١٤ ه / ١٩٩٤ م ، ص : ١٦.