ذلك بشكل حتمي ، وذلك بقرينة قوله تعالى : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، ويطلق إذن الله عادة على الظروف والأسباب الطبيعية التي أودعها الله في خصائص الأشياء ، مما يساهم في حدوث الظاهرة في حركة الوجود الإنساني والكوني ؛ وفي هذا إيحاء بأن الإنسان لا يملكها ما لم يكن ذلك بإرادة الله الذي يملك القدرة على كل شيء من خلقه.
ثم يدخل القرآن في الأجواء الروحية التي يريد للإنسان أن يستحضرها في وعيه ووجدانه عند ما يواجه حدود الحلال والحرام ، فيفكر بالله وبالدار الآخرة في ما ينتظره من سخط الله وعذابه ، وفي ما يخسره من حظ الدنيا والآخرة ، لينفصل الإنسان عن الدوافع الذاتية الشريرة التي تربطه بالأرض بعيدا عن آفاق السماء ، والتي تزيّن له الانحراف وتهوّن عليه المعصية ، طمعا في إرضاء نوازعه المنحرفة الضيّقة. (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) أي السحر في وسائله الضارة (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي نصيب ، (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي باعوها ، لأنه ثمن بخس لا يحصلون منه على شيء ، لأنهم سيتركونه في الدنيا في عمر اللحظة ويواجهون الآخرة صفر اليدين ، (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ولكنهم لا يعلمون لغلبة الغفلة عليهم من خلال سيطرة الشهوة على تفكيرهم ووجدانهم ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) فلو وقفوا عند حدود ما أحلّه الله وما حرّمه عليهم ، واتقوا ربهم ، فإن المثوبة تنتظرهم من عند الله لو عرفوا قيمة المثوبة المنطلقة في أجواء رضاه ورحمته ، ولكنهم لا يعلمون.
* * *
المفسرون والسحر
هذه صورة كلامية عن أجواء هاتين الآيتين ، وقد أفاض المفسرون في