حسب ما ورد في أسباب النزول ، ومن خلال الأجواء الإسلامية المتحركة في واقع المسلمين في مرحلة نزول الآية التي كانوا يواجهون فيها الصراع مع المنطق اليهودي الذي كان يعمل على إرباك الدعوة ، (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) الذين كانوا يتربصون بالإسلام وبالمسلمين الدوائر ليكيدوا لهم ، وليسقطوا مواقعهم ، وليدخلوهم في أجواء الاهتزاز والزلزال النفسي الذي يؤدي بهم إلى التراجع عن دينهم ، (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، لأن المسألة لم تنطلق لديهم من حسابات فكرية دقيقة ، ولا من شبهات معقّدة ، ولا من موقع يوحي بالرفض ، بل كانت منطلقة من عقدة مرضية مستعصية ، لأنهم اتّخذوا منكم موقف العداء ؛ الأمر الذي جعلهم يحسدونكم على ما أنعم الله به عليكم من رسالته التي أنزلها على رسوله ليبلّغها لكم ، (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) ، فهو يملك العطاء والمنع وهو يعلم مصالح عباده في ما يعطيهم أو يمنعهم ، ويطلع على خصائص أوضاعهم الداخلية والخارجية ، فيصطفي من رسله من يشاء وينزل رسالته على من يشاء ، تفضلا منه وكرما ، في خط الحكمة الإلهية التي يختص بها عباده (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الذي لا ينكر أحد فضله في كل نعمه التي يفيض بها على عباده الصالحين.
* * *
من وحي الآية في حركة الحاضر والمستقبل
وإذا كان لنا استيحاء شيء من هذه الآية يتصل بحياتنا العملية في الحاضر والمستقبل ، فقد نجد أنّ بإمكاننا الانطلاق إلى الواقع الذي يواجهه المسلمون في كل زمان ومكان في صراعهم مع الفئات الأخرى ممن ينتمون إلى الأديان الأخرى أو إلى المبادئ الكافرة الملحدة ، فنلاحظ أنّ علينا النفاذ إلى الأعماق في دراستنا للحالة النفسية التي يعيشونها تجاهنا ، ومدى ما تمثله