علاقة الآية بالعصمة في سهو الأنبياء
وقد ثار جدل كلامي حول الجانب المتعلق بالنسيان في الآية ، فتباينت الآراء ، بين رأي لا يجوّز ذلك لأنه يؤدي إلى التنفير عنه وعدم الثقة بكلامه ، لإثارته الاحتمال في كل ما يبلغه للناس ، فلا يبقى مجال للطمأنينة به ، وهذا ما ذهب إليه المحقق الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في تفسيره «التبيان» ، على ما نقله صاحب «مجمع البيان» (١) ؛ وبين رأي يجوّز ذلك ، وهو رأي جماعة من المحققين ، فقد قالوا إن من الممكن أن يكون النسيان لحكمة واستدلوا عليه بقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى * إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) [الأعلى : ٦ ـ ٧] أي إلا ما شاء الله أن تنساه ... وهذا بحث من أبحاث الكلام المتصلة بعصمة النبي عن الخطأ والسهو والنسيان في الموارد التي أريد له أن يزيلها من التشريع في حياة الناس ، ونحن لا نريد الخوض في هذا البحث ، لأن له مجالا آخر. أما رأينا في هذا الموضوع ، فهو أن الآية بعيدة عن هذا البحث ، لأن النسيان وارد هنا على سبيل الكناية في ما يريد الله أن يزيله من التشريع بشكل غير مباشر ، في مقابل ما يريد إزالته بشكل مباشر ، وهو إبلاغ النبي بذلك عن طريق الوحي ، ولهذا فإن إنساء الله إيّاه ، ليس فيه محذور حتى على رأي من يرى عصمة النبي عن السهو والنسيان ، لأنه يعتقد ذلك في الموارد التي تدخل في نطاق الشريعة والحياة العامة الطبيعية ، لا في ما يدخل في نطاق الإرادة الإلهية التي تتدخل في نسخ الحكم بهذه الطريقة ، مما يعدّ جزءا من حركة الرسالة وطريقتها في إبلاغ الشريعة سلبا أو إيجابا.
وهناك قراءة أخرى : «أو ننسأها» ، من الإنساء وهو التأجيل والتأخير إلى
__________________
(١) يراجع : مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٣٤٧.