الطلبات التعجيزية ظاهرة تاريخية للكفر
(أَمْ) هنا منقطعة بمعنى «بل» ، في مقابل المتصلة التي لا بد من أن تعادلها الألف ، لتكون واردة في مجال التسوية بين شيئين. وتدل الآية على أن قوم الرسول محمد صلىاللهعليهوآله سألوه شيئا مشابها لما سأله قوم موسى ، ولكنها تجمل طبيعة ذلك الشيء ، فهل هو أن يروا الله جهرة كما عن بعض ، أم هو أن يضع لهم إلها على صورة آلهة الكفار كما ذكره بعضهم ، أم أن يحقق لهم بعض الطلبات التعجيزية التي لا تبلغها قدرته الذاتية ، أو مما يستحيل حدوثه بصفة طبيعية ، كما حدثنا الله عن ذلك في بعض الآيات التي أفاضت في الحديث عما كان يقدّم إلى النبي محمدصلىاللهعليهوآله من طلبات تعجيزية؟.
ونحن لا نريد أن نسترسل كثيرا في ما استرسل فيه المفسرون من الحديث عن هذا الأمر ، لأننا لا نجد الجانب التفصيلي في هذه القضايا موضع أهمية لاستحياء الفكرة أو أخذ العبرة ، فنجمل ما أجمله الله من القصة التي لم تتحدث إلا عن طبيعة هذا السؤال ، وعلاقته باستبدال الإيمان بالكفر ، مما يوحي بأن الطلبات تتحرك في اتجاه يقترب بهم إلى الكفر ، ويخرجهم من خط الإيمان ، فلنأخذ منها هذه الفكرة التي يريدنا الله أن نعرفها ، لنعرف شدة معاناة الرسول من قومه في ما أثاروه من قضايا تدخل في حساب الخطة الشريرة التي استهدفت إشغاله عن مهمته ، وتحديهم لشخصه أمام الجاهلين الذين لا يعرفون موازين الدور النبوي في حياة الناس ، أو محاولتهم السخرية منه بهذه الطريقة ، ولندرك ـ من خلال ذلك ـ طبيعة المجتمع الذي عاش فيه النبي محمد صلىاللهعليهوآله كما عاشه الأنبياء من قبله ، ومدى الجهد الذي بذله الأنبياء في تصحيح مسار الفكر ، وتقويم منهج التفكير ، وفي رفع مستواهم ... ثم نعرف مسئوليتنا ونحن نسير في طريق الدعوة إلى الله ، أن نصبر حيث صبروا ، وأن نعاني حيث عانوا ، وأن نواجه ما واجهوه من أساليب التعنّت والتعصب