وليحددوا أسئلتهم في حركة المعرفة ، بحيث لا تنحرف عن أصول العقيدة التي تمثل العمق الوجداني في الانتماء ، فإذا عرضت لهم شبهة طرحوها كمشكلة يبحثون عن حلّها بعيدا عن حالة التعنت والتمرّد والاستهزاء ، لأن ذلك يمثل الانتقال العملي من الإيمان إلى الكفر ، ويبتعد بهم عن صفاء إنسانيتهم في التصور والمنهج ، لأن الإنسان الذي لا يتحرك من موقع الحاجة إلى المعرفة بطريقة جديّة ، هو إنسان لا يحترم معنى الإنسان في ذاته ، وطبيعة التوازن في حياته.
* * *
الموقف من حسد أهل الكتاب
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
في هذه الآية جانب من التوعية العملية ، وجانب من الأسلوب الرسالي في التخطيط السليم لحركة الدعوة الإسلامية في علاقة المسلمين بأهل الكتاب ، فقد أراد الله لهم أن يفهموا أن أهل الكتاب لم ينطلقوا في معارضتهم لهم من موقع الشبهة الفكرية التي تجعلهم يقفون موقف الرفض للدعوة التي يعتقدون خطأها ، أو موقف الحيرة التي تجعلهم يترددون بين القبول والرفض ، بل كان الدافع لذلك الحسد القاتل الذي يتحرك من موقع المحافظة على الامتيازات الذاتية القديمة التي يخافون عليها من الزوال أمام قوّة الرسالة الإسلامية وتقدمها ، ولهذا فإنهم يودون ـ في داخل أنفسهم ـ لو يستطيعون إرجاعكم إلى الكفر والشرك والوثنية مما يتنافى مع عقيدة التوحيد التي يزعمون الإيمان بها ، فلو كانوا منسجمين مع هذه العقيدة ، لكان خط الإسلام