ما تظهره الآية الكريمة : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران : ٩٣].
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) فإن الركوع هو غاية الخضوع لله الذي يجب أن تعيشه الخليقة في كل مظهر من مظاهر وجودها الحي الفاعل ، لتكون الحياة كلها في خدمة الله وطوع إرادته ، فينبغي للإنسان أن يكون مع الناس في ركوعهم لله ، فلا يكون في جانب والذين يسيرون مع الله في جانب آخر.
* * *
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟!
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
إن هذه الآية تواجه اليهود بالواقع العملي المنحرف الذي كانوا يعيشونه في عصر الدعوة ، فقد جعلوا من أنفسهم حماة الكتاب والشريعة ، ودعاة الاستقامة على الحق ، وقادة الناس إلى الخير ، وذلك من خلال الدور الذي فرضوه لأنفسهم ، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا خائنين لهذا الدور في ممارساتهم العملية ، فكانوا بمنزلة الذين ينسون أنفسهم في حساب المسؤولية ، فلا يعيشون القلق أمام قضية المصير في الدنيا والآخرة ، بينما نراهم يثيرون قلق الناس وخوفهم من مواجهة ذلك في حياتهم العامة ، وتلك هي الطريقة التي يفقد فيها الإنسان عقلانية التحرك ويستسلم لسذاجة العاطفة والغريزة في ما يقوم به من أعمال ، لأن العاقل هو الذي يفكر في نجاة نفسه عند ما يتحرك في إثارة الآخرين نحو نجاة أنفسهم. إن قيمة العقل هي في إدراكه الفوارق العملية بين حسن الأشياء وقبحها ، ثم الاتجاه نحو التطبيق العملي لمدركاته ،