ولكن جوّها يوحي بذلك ، وبأن هناك حديثا دار بين المسلمين ، فجاءت الآية لتضع القضية في نطاقها الطبيعي الذي يلغي أسس الخلاف ؛ فإذا كان الله قد أراد منا التوجه إلى جهة من الجهات في وقت ما ، فإن بإمكانه أن يوجهنا إلى جهة أخرى في وقت آخر ، لأن الجهة الأولى لم تشرّع باعتبارها مكانا لله ، بل لحكمة يعلمها الله في ذلك ، فلا مانع من أن تكون هناك حكمة أخرى في جهة أخرى. أمّا قضية الاختصاص بصلاة معيّنة ، فإنها تخضع للتدقيق في المقارنة بين الآيات والروايات التي عرضت لتشريع القبلة في قضايا الإطلاق والتقييد ، مما يختص الحديث التفصيلي عنه في البحث الفقهي ، وربما كان لنا أن نسجّل في لفتة سريعة ، أنّ الآية مطلقة في جواز التوجّه إلى الله في أي مكان في كل مورد من الموارد التي يشترط فيها التوجه إليه ، إلا ما دلّ الدليل على اختصاصه بجهة معينة كصلاة الفريضة مثلا. فيبقى الباقي كصلاة التطوّع ونحوها في مجرى الإطلاق ؛ وبهذا تفسّر الروايات الواردة في اختصاصها بصلاة التطوّع أو بحالة الشك. وعلى أي حال ، فإن هذا لا يمنعنا من التأكيد على ما ذكرناه في بداية الحديث من أن الآية واردة في مقام التعبير عن حقيقة توحيدية عامّة والتركيز على الانطلاق منها في مقام الالتزامات التشريعية العملية.
* * *
وقالوا اتخذ الله ولدا
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ* بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). في هاتين الآيتين معالجة ومناقشة للفكرة الخاطئة التي سيطرت على تفكير اليهود والنصارى والمشركين عن علاقة الله ببعض مخلوقاته ، فقد حكى لنا القرآن في