ونذيرا بالحق ليهتدي الناس من خلال التبشير والإنذار ، وليس عليه إلّا أن يقدم للناس ما فيه الحجة على الحق ثم يتجه إلى الحق في كل تفاصيله بشيرا ونذيرا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) وتلك هي مهمته ، وتلك هي مسئوليته ، فإذا استجاب الناس له ، فذلك هو ما يريده ويتمناه ، وإذا انحرف الناس عنه فاختاروا الجحيم على النعيم باختيارهم الضلال على الهدى ، فلا (تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) ، فهذا ما لا يسأل عنه النبي لأنه لم يحدث عن تقصير منه ، بل عن عناد منهم واختيار للطريق السيئ في قضية المصير.
* * *
حدود المسؤولية
وقد حاول المفسرون أن يعتبروا هذه الآية وأمثالها تسلية للنبي ، كما جاء في مجمع البيان ، حيث قال ـ تعليقا على الآية ـ : وفيه تسلية للنبي صلىاللهعليهوآله ، إذ قيل له إنما أنت بشير ونذير ولست تسأل عن أهل الجحيم وليس عليك إجبارهم على القبول منك ، ومثله قوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] وقوله : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) [البقرة : ٢٧٢](١).
أمّا نحن فلا نرى هذا الرأي ، بل نعتقد أن هذه الآيات واردة في مورد وضع القاعدة الثابتة للمسؤولية التي يتحملها النبي من حيث هو رسول وداعية ، وتحديدها بالعناصر الاختيارية لأساليب الدعوة ووسائلها التي يملكها ، من حيث طبيعة الفكرة والكلمة والأسلوب والجو العام ؛ أما الجوانب الأخرى التي تخرج عن اختياره ، وترجع إلى أشياء ذاتية في حياتهم النفسية ، أو إلى ظروف
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٣٧٢.