موضوعية أخرى ، فهذا ما لا يدخل في حساب مسئوليته ، وبذلك فلا مجال لأي حزن أو خوف أو حسرة ، لأن الله لم يرسل رسوله ليغيّر الكون تغييرا تكوينيا بشكل غير طبيعي ، بل كل مهمته هي السير في عملية التغيير من خلال وسائلها الطبيعية التي لا يملك كل عناصرها ، فلا يكلف إلا بما يملكه في نطاق قدرته ، وليس هذا مختصا بالنبي محمد صلىاللهعليهوآله أو بالأنبياء من قبله ، بل يشمل كل داعية إلى الله ، في أي موقع من مواقع الدعوة ، فليس عليه إلا أن يفجر كل طاقاته ويستخدم كل الأساليب والوسائل التي يملكها للوصول إلى قناعة الآخرين وتغيير الواقع ، فإذا فعل ذلك فقد قام بمسؤوليته ... وتلك هي الطريقة الواقعية العملية التي تفرغ داخله من كل انفعال غير طبيعي ، مما يجعله يواجه الفشل والهزيمة مواجهة هادئة لا تنسحق أمام نتائج الهزيمة وعناصرها ، بل تقف في ساحة الواقع لتجمع العناصر الجديدة الممكنة التي يمكن لها أن تحوّل الهزيمة إلى نصر ، والفشل إلى نجاح ، من خلال دراسة الأسباب الواقعية لما حدث ومحاولة التغلب عليها في حركة المستقبل.
* * *
وعي هوية الصراع
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) قال المفسرون في أسباب نزول هذه الآية : إن النبي كان مجتهدا في طلب ما يرضيهم ليدخلوا في الإسلام ، فقيل له : دع ما يرضيهم إلى ما أمرك الله به من مجاهدتهم. وقالوا ـ في مجال آخر ـ : كان اليهود يسألون النبي صلىاللهعليهوآله الهدنة ويرونه أنه إن هادنهم