فمن ذا الذي ينصره من الله ، ومن ذا الذي يرعاه بعده؟!
* * *
القراءة الواعية
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) يختلف المفسرون هنا ، كما اختلفوا في آيات مشابهة في من هم المقصودون بهذه الآية ؛ فقال بعضهم : إنهم الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة ؛ وقيل : هم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره ؛ وقيل : هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله ، على أن يكون المراد بالكتاب القرآن ، بينما يكون المراد منه في القولين الأوّلين التوراة ، كما جاء في مجمع البيان (١).
ولكننا نحسب أن هذه الآراء المذكورة اجتهادية تنطلق من الاستنتاجات والملاحظات الذاتية لأصحابها ، وليست نقلية كما نلاحظ من الآراء ؛ ولعل الأغلب في الظن أنها ليست في مورد التركيز على جماعة معينة ، بل هي في مجال التنبيه على قاعدة أساسية عامة في باب الإيمان والكفر ، وهي تلاوة الكتاب حق تلاوته التي يريد بها القراءة عن تدبّر وتفكير وروحية واعية تتحرك من موقع البحث عن الحق لا من موقع التعصب الأعمى ، فإن ذلك هو سبيل الانفتاح على آيات الله وما تشتمل عليه من دلائل الحق وبراهينه ، حيث يقود ذلك إلى الإيمان.
ومن خلال ذلك ، نفهم أن الكفر لا ينشأ من حالة فكرية مضادة ، بل من حالة اللامبالاة والغفلة الناشئة من عدم التوفر على القراءة الواعية والفكر المسؤول ، مما يجعل من الإنسان إنسانا يتحرك في جو التعنت والتعصب
__________________
(١) يراجع : مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٣٧٤.