التوحيدي المستقيم ، فتمردتم على الله ونسيتم نعمه ، ورجعتم إلى الوثنية المتخلفة التي انطلق كل الجهاد ضد فرعون من أجل تحريركم منها ، لأن القضية في حركة الرسالات التوحيدية ، ليست هي في تحرير الإنسان من الوثنية الخارجية المتمثلة في الحجر أو البشر الذي يعبده الناس من دون الله ، بل هي في تحريره من ذهنية الصنمية ، بحيث لا يبقى لها جذور في الوعي الفكري للإنسان ، فلا يعود إليها عند توفر الظروف الملائمة لها في الواقع الخارجي.
وهذا ما جعل العقوبة على هذا الجرم الكبير قاسية متمثلة بالإعدام الجماعي الذي يقتل فيه بعضهم بعضا ، بحيث يقتل المذنبون بعضهم البعض أو يقتل الأبرياء المجرمين ، فذلك هو السبيل الوحيد في الشريعة آنذاك للتوبة التي تتوخى غفران الله لهم وتوبته عليهم. (ذلِكُمْ) أي القتل ، الذي هو وسيلة التوبة ، (خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) لأنه يحقق لكم الحصول على رضاه ، من خلال دلالته على صدق التوبة في عمق الإحساس بالندم ، ويؤدي بالتالي إلى السعادة الكبرى في النجاة من النار ودخول الجنة. (فَتابَ عَلَيْكُمْ) بذلك ، (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) على المذنبين التائبين ، (الرَّحِيمُ) بالخاطئين المنيبين.
* * *
هل الأمر بقتل أنفسهم امتحاني؟
جاء في تفسير الميزان : إن قوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) يدل على نزول التوبة وقبولها ، وقد وردت الرواية أن التوبة نزلت ولمّا يقتل جميع المجرمين