منهم. ومن هنا يظهر أن الأمر كان أمرا امتحانيا نظير ما وقع في قصة رؤيا إبراهيم عليهالسلام وذبح إسماعيل : (أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) [الصافات : ١٠٤ ـ ١٠٥] ، فقد ذكر موسى عليهالسلام : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) وأمضى الله سبحانه قوله عليهالسلام ، وجعل قتل البعض قتلا للكل وأنزل التوبة بقوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ) (١).
ونلاحظ على هذا الرأي ، أن هناك فرقا بين الأمر الصادر لإبراهيم وإسماعيل الذي لم يكن منطلقا من إرادة جدية في تحقيق الفعل ، بل كان وسيلة من وسائل إظهار عمق الإسلام الروحي والعملي في موقف إبراهيم وإسماعيل ، الأمر الذي لا علاقة له بالفعل بل بمقدماته ؛ وبين الأمر الصادر لهؤلاء الذي كان في أقصى درجات الجدية ، ولذلك أريد له أن يتحول إلى واقع امتثالي ، غير أن الله سبحانه اكتفى بما حصل من القتل وعفا عن الباقين الذين لم يمتثلوا ذلك ، فأسقط التكليف عنهم باعتبار أن المقصود هو التوبة المنطلقة من الإسلام الروحي ، المنضمة إلى الفعل ، ولا معنى لأن يكون الأمر امتحانيا بالنسبة إلى الباقين الذين لم يقتلوا أنفسهم ، لأن الأمر لم يصدر إليهم بخصوصياتهم ليتميز أمرهم عن أمر غيرهم ، ولعلنا نستفيد من الآية السابقة (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أن هناك عفوا عن الجريمة.
* * *
الارتباط اللاواعي
من خلال هذه الآيات المتقدمة نستطيع استيحاء موقف يرى أن قوم موسى لم ينطلقوا معه من موقع الإيمان برسالته والوعي لمفاهيمها التي تفرض
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١ ، ص : ١٨٩.