(يَكْسِبُونَ) : أصل الكسب العمل الذي يجلب به نفع أو يدفع به ضرر ، وكل عامل عملا بمباشرة منه له ومعاناة فهو كاسب له.
* * *
بنو إسرائيل في مراحل التحجّر والتحريف والنفاق
مرحلة التحجّر
ثم جاءت مرحلة جديدة من تاريخ بني إسرائيل ، ولكنها تختلف عن المراحل السابقة ؛ فقد كانت تلك المراحل تمثل جانب التمرد الذي يلين بعد ذلك إلى التوبة والإنابة والطاعة ، وتعيش طبيعة المشاغبة التي تثور ثم تتطامن وتهدأ وتفيء إلى الاستقامة.
أمّا هذه المرحلة الجديدة ، فإنها تمثل التحجر الذي أصاب عقولهم وأرواحهم ، فأغلقها عن الانفتاح على كل وحي إلهي ، أو فكر إنساني ، أو شعور روحي ، فليس هناك مجال للحق ، لأن النوافذ كلّها مشرعة على الباطل ، وليس هناك مجال للرحمة ، لأن الآفاق كلها قد امتلأت بالحقد والعداوة والبغضاء ، وبالأنانية التي لا تعرف غير الذات في أطماعها وشهواتها مجالا للتفكير وللتعاطف.
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً). ويتصاعد الأسلوب القرآني في تصوير المدى الذي بلغته القسوة التي تطبع شخصيتهم بطابعها ، فلا يجد في الحجارة مثلا صالحا لإعطاء الصورة الصارخة ، بعد أن بدأ الموضوع من هذا الجانب ، لأن التشبيه يفرض أن يكون وجه الشبه في المشبّه به أقوى من المشبّه ، كما تقول : زيد كالأسد ، باعتبار أن الشجاعة التي هي وجه الشبه في الأسد أقوى منها في زيد ، مما يعطي التشبيه دورا في إيضاح