المحسنين على إحسانهم ، لأن من طبيعة الإنسان العامل في الخير أنه يحب أن يجد صدى عمله في مواقف الآخرين منه ، وإن لم يكن ذلك عن عقدة ذاتية ، فإذا لم يحصلوا على ذلك ، بل وجدوا إهمالا وجحودا ، كان هذا موجبا لتثبيطهم عن السير بعيدا في هذا الاتجاه ، وقد ورد في وصية الإمام علي عليهالسلام لمالك الأشتر (رض): «ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان» (١) ...
ولا يتنافى ذلك مع الروح الإسلامية التي تدعو الإنسان إلى أن يعتبر الله هو السبب الأعمق في الأشياء ، فلا يملك العبد من أمره إلا ما ملّكه ، لأن الله يريد ـ في الوقت نفسه ـ أن لا يغفل الإنسان دور الواسطة التي جعلها الله أداة لإيصال نعمه إليه ، ولهذا أمر الإنسان بأن يشكر والدية كما يشكر ربّه في قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان : ١٤] ..
وقد يكون من أسباب التركيز على هذا الجانب ، أنّ الإنسان عادة يحسّ بتأثير الأشياء المحسوسة لديه أو القريبة من إحساسه ، فإذا لم يتأثر أو ينفعل بالخدمات المباشرة المحسوسة لديه ممن يعيش معهم ، فإن ذلك يكشف عن فقدان حسّ الشكر لديه ، الأمر الذي يؤدي إلى أن يفقد روح الشكر لله سبحانه في نهاية المطاف.
* * *
__________________
(١) نهج البلاغة ، كتاب / ٥٣.