والفكرية في عملية إحصاء دقيقة ، ليعرف مقدار القوّة التي يملكها في مواجهة القوى الشريرة الأخرى ، سواء في ذلك القوى المضادة الكامنة في داخل نفسه كالشهوات والأطماع ، أو القوى البارزة على ساحة الصراع في الحياة. ثم يمتد الموقف في إثارة إيحائية ليعرف من خلال ذلك أنّ القوّة لا تنحصر في ما تعارف عليه الناس من القوّة المادية المتمثلة بالسلاح والرجال والمال والمراكز وغيرها ، بل هناك القوّة الروحية التي تتمثل بالقيم والتعاليم الكبيرة التي يؤمن بها الإنسان في داخل ذاته ، فهي التي تحميه من نقاط الضعف في نفسه ، كما تحميه من وسائل القوة التي يثيرها الآخرون ضده لتجتاح إيمانه ورسالته وموقفه ، حيث تتحفز تلك القيم لتوحي له بالثبات مع الخط مهما كانت السلبيات والخسائر الصعبة.
* * *
دور الشعور بالآخرة في تربية الوجدان
٢ ـ إن من الأساليب القرآنية المرتكزة على أساس من العقيدة الإسلامية الحقة في ما بعد الموت ، محاولة إثارة الشعور بالحياة الآخرة كحالة وجدانية في نفس المؤمن ، من أجل تفريغ الفكر والقلب والوجدان من الإحساس بالخوف والوحشة من ظلام الموت وهوله الذي يمنع الإنسان من الحركة في ما يعرّض الحياة للخطر ، وذلك في حالات الجهاد في سبيل الله ، ولا بد لنا من التركيز على هذا الأسلوب لتحقيق هدفين :
الأوّل : تنمية العقيدة في داخل المؤمن بتعميق الإحساس بتفاصيلها ، بالأسلوب الذي يجعلها حالة وجدانية كما لو كان الإنسان يواجه الموقف بالإحساس البصري المباشر ، فيحوّلها ـ أي القرآن الكريم ـ عن الحالة الفكرية المجرّدة التي قد لا تثير المواقف الحاسمة في أغلب الحالات.