وليخططوا لهم درب الحياة على أساس المنهج الواضح المستقيم. ولمّا كانت أعمار الأنبياء محدودة ، وكانت وسائل وصول الرسالات والكتب السماوية مرتبطة بالظروف الموضوعية التي تتحرك فيها الرسالات ، كان لزاما على أتباع الأنبياء والرسالات أن يحملوا هذه الأمانة التي حملها الأنبياء ، ويبلّغوها من جيل إلى جيل لتتصل الحلقات في سلسلة واحدة ، ولترتكز المراحل المتعددة على أساس خطة ثابتة ممتدة ، ولتتحرك الحياة في خطوات الرسالات خطوة خطوة. ولولا ذلك لماتت الرسالات بموت أصحابها ، إذا لم تسمح الصدفة بانطلاقة مصلح أو متحمس تدفعه نزعته الإصلاحية أو حماسته الإيمانية إلى حمل الرسالة من جديد ، وهذا هو ما توحي به الآية الكريمة.
* * *
لعنة الله على كاتمي بيّناته
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) الدالّة على نبوّة النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلى كل الحقائق العقيدية والشرعية والمنهجية ، التي أراد الله للناس أن يعتقدوها ، أو يعملوا بها ، أو ينفتحوا عليها ، مما يمثل صلاح دنياهم وآخرتهم ، (وَالْهُدى) وهو الخط الذي يمثل وعي الفكرة في امتدادها في حياة الإنسان وانفتاحها على الخط المستقيم ، الذي أنزله الله على رسله (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) ، وهو التوراة والإنجيل ، وقيل : في الكتب المنزلة من عند الله الشاملة للقرآن ، فإن القضية المطروحة لدينا هي أن الوحي يبيّن الحقيقة للناس ليحملوها ويبلغوها إلى من حولهم ومن بعدهم حتى تنتشر في الوجدان العام للناس من جيل إلى جيل ، لأن الله لم ينزل وحيه لجماعة معينة أو لمرحلة معينة ، بل أنزله للحياة كلها في كل زمان ومكان.