(الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) الذي أوجدكم برحمته ، وأنعم عليكم بنعمه ، وهداكم إلى الحق بهدايته ، ووعدكم برضوانه وجنته على امتداد الوجود كله.
وهذا هو التصور الإنساني للتوحيد في مضمونه الذاتي في معنى الله ، وفي حركته العامة في مواجهة الآلهة المدّعاة معه ، أو من دونه ، للدخول في عملية مقارنة بين الله وبين الآخرين للوصول إلى النتيجة الطبيعية في احتقارهم في حجم وجودهم ، وفي قدراتهم الذاتية ، وفي كل ما يتمثل فيهم ، أمام عظمة الله المطلقة ، فيتخفف الإنسان من الشعور بأيّة علاقة كبيرة بهم من خلال المعرفة العقلية والشعورية بأنهم مجرد موجودات عادية لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا إلا بالله ، وهذا ما جعل شهادة التوحيد ممثلة بكلمة «لا إله إلا الله» دون غيرها من الكلمات.
* * *
الحقيقة الإلهية بأجلى تعبيراتها
إنّ الآية تطرح الحقيقة الإلهية ببساطة وعفويّة ، لا مجال فيها للتكلف والتعقيد ، فها هي وحدانية الله تبرز واضحة جليّة لكل من كان له فكر ونظر ، عند ما يدرس وحدة النظام الكوني وتناسقه ووحدة الرسالات السماوية وارتكازها على قاعدة واحدة ، وضعف القوى المنتشرة في الكون وسيرها إلى الفناء مما لا يجعل لأية قوّة مجالا للاستعلاء الذي يرتفع إلى مستوى الألوهية. أمّا رحمته تعالى ، فإنها تنساب في كل مظهر من مظاهر النعمة والرعاية والعناية بالإنسان ، وفي كل ما يحيط به من أوضاع تتصل بحياته ومماته ، ويقظته ومنامه ، وأكله وشربه ، وملبسه وملذّاته ، وهكذا فإنها تعطي الصورة الواضحة على انطلاق الخلق كله من موقع الرحمة التي تريد