المسؤولية الفردية في الإسلام
٤ ـ إن الآيات توحي للمؤمنين الضعفاء بأن المسؤولية في الإسلام فردية ، يتحملها الإنسان من خلال عمله ، وأن الضغوط الخارجية التي تنطلق من الشعور بسيطرة الأقوياء على الموقف ، وحاجة الضعفاء إليهم في ما يملكونه من مال وجاه وسلطة ، لا تمثل أيّ مبرر شرعي للانحراف عن الخط ، ثم تبيّن لهم أن الأساليب التي يتبعها هؤلاء الأقوياء في الإيحاء لهم بالحماية في مواقف الشدّة ، ليشعروا بالأمن من خلال هذه العلاقة ، هي أساليب تضليلية لا تثبت أمام الواقع الذي يفرض نفسه ، وهو أنّ هؤلاء ليسوا قادرين على حماية أنفسهم ، فكيف يقدرون على حماية غيرهم من عذاب الله؟! وسينكشف الواقع المرير عن إعلان براءتهم من كل تبعة أو مسئولية من كل هؤلاء عند ما يرون العذاب ويواجهون الموقف في الدنيا قبل الآخرة ، ليبدأوا ـ هنا ـ بالبراءة من هؤلاء المتبوعين ، فلا ينفذون مخططاتهم الشريرة التي لا ترضي الله ، ولا يطيعونهم في معصية الله ، ليتفادوا الموقف الخاسر هناك ، وليحصلوا على ما يتمنونه من العودة إلى الدنيا ليعلنوا البراءة كرد فعل لبراءة هؤلاء منهم. إن الآيات التي تتحدث عن خيبة الضعفاء في الآخرة لا تتحدث عن القضية كقصة للإثارة ، بل كأسلوب من الأساليب الوقائية التي توجه الإنسان كي يتفادى الوقوع في هذه المواقف الحرجة هناك ، فيكون أكثر وعيا للواقع وللمصير ، وبهذا يتحول القرآن إلى كتاب يرصد لنا المستقبل من خلال الحديث عن نماذج الماضي التي لا تعيش في إطاره المحدود ، بل تعيش في نطاق الحياة كلها ، والله العالم بأسرار آياته.
* * *