الأجواء الحميمة ، والإغراءات اللذيذة التي يدعوه إليها بلهفة شديدة ، وشوق حميم ، بطريقة تحجب عنه ما في الداخل من خسارة وضرر وفساد ، ويبرر القرآن للإنسان كل هذا الحذر بالحقيقة الدينية الحاسمة التي توضح عداوة الشيطان الواضحة البيّنة للإنسان ، ليشعر بأنّ هذه الخطوات التي يثيرها أمامه ليست في مصلحته مهما أظهر له من إخلاص أو مودّة.
(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) في إيحاءاته ووساوسه وخططه الإغوائية الإغرائية مما يزين به للإنسان من أقوال وأفعال وأفكار بعيدة عن خط الاستقامة ، وعن مواقع رضى الله ، وقريبة من موارد سخطه التي تؤدي إلى عذابه وإبعاده عن رحمته. (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فقد أخرج أبويكم من الجنة ، وأعلن عزمه على أن لا يدخل أحد من بني آدم الجنة من خلال أساليبه الضالة ووسائله المنحرفة ، (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر : ٦].
ثم يفصّل القرآن للإنسان في الآية الثانية بعضا مما أجمله في الآية الأولى من خطوات الشيطان : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فيعدد لنا نماذج ثلاثة من أوامره : فهو يأمر الإنسان بالسوء الذي يمثل كل فكر سيّئ أو عمل شرير ، وبالفحشاء التي تتمثل فيها الأعمال المنكرة التي تجاوزت الحد الطبيعي للأشياء ، سواء كانت من المنكرات المتعلقة بالعلاقة بين العبد وربه في معاصي الله ، أو كانت من المنكرات المتعلقة بين الناس وبين الشخص ، في الجوانب المالية أو الاجتماعية أو السياسية والاقتصادية والأخلاقية ، ولا سيّما في ما يتعلق بالعرض وبالخيانة والكذب.
أما الأمر الثالث ، فهو نسبة الأحكام أو العقائد أو الأعمال إلى الله باعتبارها شيئا موحى به من قبله ، وثابتا في وحيه ، مع أنهم لا يعلمون شيئا من ذلك ، لأنهم لا يملكون طريقا إلى المعرفة في هذا الاتجاه. ولعل من