الفكر في دائرة ضيقة تتصل بالماضي ولا تنفتح على الحاضر والمستقبل ، الأمر الذي يجعل منها سجنا للعقل وللحركة وللحوار ، وخنقا للحرية في كل الموارد التي يختلف فيها قادة الحاضر عن قادة الماضي.
وقد رأى القرآن في هذه «الظاهرة الآبائية» الممتدة إلى كل العناوين المتصلة بالرموز التي يخضع الإنسان لها عاطفيا ويرى أن فكرها يمثل فكره ، وعنوانها يمثل عنفوانه ، وأن الانتقاص من قيمتها الفكرية يمثل انتقاصا من مجده ، رأى فيها خطرا كبيرا على حركة الرسالات التي تصطدم دائما بذهنية التخلف في تقديس الماضي بما يؤدي إلى التعصب له ولكل مفاهيمه وعاداته وتقاليده ، وإلى تجميد الفكر الذي يمنعه من التحرك بعيدا عن المفردات الكامنة في وجدانه التاريخي الموروث ، فيمتنع عن الاستماع إلى أي فكر جديد فضلا عن التفكير فيه بأسلوب المناقشة والحوار ، ويتحول الموقف في رموز هذا الاتجاه إلى حالة طاغوتية تعمل على قهر كل حركة جديدة في أفكارها ورموزها ، لأنها تخاف منها على الامتيازات الشعبية التي اكتسبتها من خلال التخلف الشعبي ، وعلى المقدسات السخيفة التي لا تملك أية قيمة مقدّسة.
* * *
القرآن ومعالجة «الظاهرة الآبائية»
وقد نستوحي من الآيات القرآنية الواردة في هذا الموضوع بعض خصائص هذه الظاهرة في جمودها الفكري ، وفي ذهنيتها العدوانية ، وذلك كما في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] وقوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا