شخصيّة إبراهيم النبيّ امتداد للإسلام
ويتابع القرآن حديث إبراهيم في قصة جديدة تتصل بالتاريخ الديني في قصة النبوّات من جهة ، وترتبط بعلاقة الإسلام بالامتداد الرحب لشخصية إبراهيم في تطلعاتها المستقبلية من جهة أخرى ، وتلك هي قصة بناء البيت ـ الكعبة الحرام ـ الذي أراده الله مرجعا للناس يرجعون إليه ويثوبون ، كقاعدة روحية يعيشون فيها الشعور بالوحدة الروحية التي تربط بعضهم ببعض بين يدي الله ، ويطوفون به في إحساس عميق بعبوديتهم لله ، وفي استيحاء الفكرة الإيمانية المتحركة حيث يستلهمون منه أن يكون طوافهم في الحياة حول كلمات الله وتعاليمه ومفاهيمه ، ويشعرون في ظلاله بالأمن الذي أراده الله طابعا مميزا لهذا البيت في ما أوحى به إلى الأنبياء في شرائعهم ، من حرمة الاعتداء على الناس والإساءة إليهم حتى في الحالات المشروعة في ذاتها. فقد ورد في بعض الأحاديث عن أئمة أهل البيت عليهالسلام ، أن الحد لا يقام على الجاني في مكة إلا إذا كانت جنايته في مكة بالذات (١) ... وكأن الله أراد أن يجعل من هذا البيت قاعدة سلام يجتمع إليها الناس من دون إحساس بالخوف وبالمشاعر المضادّة التي تمنعهم من اللقاء. ثم أراد الله أن يكرّم جهد نبيّه
__________________
(١) جاء في كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن النجفي : لا يقام الحد إطلاقا في الحرم على من التجأ إليه ، لقوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب ، ويقتصر على ما يسد الرمق ، ليخرج ويقام عليه الحد ، فقد جاءت الرواية الصحيحة عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام في رجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم ، قال : «لا يقام عليه الحدّ ... وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم ، لأنه لم ير للحرم حرمة».
وقال أبو حنيفة : لا يجوز قتل من التجأ إلى الحرم ، واستدل بقوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) نقلا عن مغنية ، محمد جواد ، تفسير الكاشف ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط : ٤ ، حزيران ، ١٩٩٠ ، م : ١ ، ص : ٢٠٠ ـ ٢٠١.