إبراهيم في بناء البيت وفي إخلاصه العميق له ، فطلب من الناس أن يتخذوا من مقام إبراهيم موضعا للصلاة ، تخليدا لإيمانه وتحيّة لإخلاصه لله في سرّه وعلانيته ، ولاستجابته لله في ما يريده منه. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ليعيش الناس في أجواء إبراهيم كقدوة في كل المعاني الروحية الكبيرة ، فتمتزج صلاتهم بصلاته ، ودعواتهم بدعواته وابتهالاتهم بابتهالاته في تفاعل روحيّ عظيم.
ثم عهد إليه وإلى ولده إسماعيل ، أن يجعلا هذا البيت طاهرا من كل دنس سواء كان ذلك من مظاهر الشرك والوثنية ، أو من عناصر القذارة والنجاسة ، أو من الأشخاص الذين يدخلون فيه من حيث نظافتهم من القذارات المادية والمعنوية ، ليعيش الناس الذين يطوفون به ، أو يقيمون فيه للاعتكاف ، أو يصلّون فيه فيركعون ويسجدون ، في أجواء روحية طاهرة مادية ومعنوية.
وربما استفاد الإنسان من الأمر بتطهير بيت الله من كل رجس ، أن يكون البناء على هذا الأساس ، وذلك بتشييده على هذه الصفة ، لا بتطهيره بعد بنائه ، كما قد يتوهم ، لأن ظاهر الآيات هو أن إبراهيم وإسماعيل هما اللذان قاما ببناء البيت.
* * *
إبراهيم في تطلعاته المستقبليّة
ويثير القرآن أمامنا تطلّعات إبراهيم المستقبلية ، فهو لا يريد لعمله هذا أن يظلّ في نطاق هذا البناء المتمثّل بالكعبة ، بل يريد له أن يتحول إلى بلد واسع كقاعدة بشريّة للسلام ، ولهذا نجده يدعو الله أن يجعله بلدا آمنا يجتمع فيه المؤمنون بالله حول هذا البيت ، فيلتقون على طاعة الله وعبادته ، وتمتد بهم الحياة في مجتمع إنساني آمن ، ويفكر فيهم كيف يعيشون في هذا الجو الذي لا