ينبت الزرع ولا يقدّم للإنسان أيّ شروط من شروط الحياة الكريمة ، فيلجأ إلى الله لكي يرزق أهله من المؤمنين الثمرات ، أمّا الكافرون فلم يلتفت إليهم ولم يشعر بضرورة الاهتمام بهم ، لأنه لا يريد لهم أن يعيشوا في أجواء هذا البيت ، خوفا من أن يشوّهوا روحيته ويعطلوا دوره ، ولأنه لا يجد أيّ أساس للاهتمام بالكافرين الذين يكفرون بنعمة الله ويجحدونها ويفسدون في الأرض ، فتركهم لله ، فهو الذي خلقهم ، وهو أعلم بما تقتضيه الحكمة في ذلك كله.
ويستجيب الله دعاءه كما توحي هذه الآيات ، فقد تحدّث الله عن الكافرين الذين لم يذكرهم إبراهيم في دعائه ، فأراد الله أن يكمّل الصورة ، فأوحى إليه أنه لا يستثني الكافرين من متع الحياة الدنيا ، لأن عطاءه لا يختص بأحد دون أحد في الدنيا ، فهو يعطي الكافرين كما يعطي المؤمنين ، لأن العطاء في الدنيا لا ينطلق من فكرة الثواب والتكريم ، بل ينطلق من الإمداد للكافرين ، والبلاء للمؤمنين ، ولكن الدار الآخرة هي التي يختص فيها المؤمنون برحمة الله ولطفه ورضوانه ، بينما يقف الكافرون هناك ليضطرّهم إلى عذاب النار ، وبئس المصير ، جزاء لكفرهم وجحودهم ، ولم يتحدث عن المؤمنين إيذانا بأنّ دعاء إبراهيم قد صادف موقعه.
* * *
إبراهيم وإسماعيل يعملان على تأسيس الروح المؤمنة المسلمة
وتتجسد الصورة أمامنا ، ويبرز المشهد واضحا في قوّة وحياة ، كما لو كنا ننظر ونستمع ، فهذا هو إبراهيم وولده إسماعيل يقفان ليرفعا قواعد البيت في عمل يستغرق كل جهدهما واهتمامهما ، ويشعران في هذا الجو بعباديّة العمل ، تماما كأيّة فريضة عباديّة ، وو نستمع إليهما كما لو كان الصوت يهزّ