ليست هي الأساس في قرب الناس وبعدهم في قضايا العطاء والمنع ، بل هي الدار الآخرة التي تمثل المكان الفصل في اليوم الفاصل الذي تتحدد فيه المواقع ونتائج المصير بين المؤمن والكافر ، فيلقى المؤمن جزاء إيمانه ، أمّا الكافر فإني أترك له الفرصة في الدنيا ، (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) في الخلود في العذاب من خلال سخط الله وغضبه.
* * *
إبراهيم وإسماعيل يبنيان المسجد على أساس التقوى
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ويقيمان الأسس التي يرتكز عليها البناء ، في روحية خاشعة منفتحة على رضى الله في مواقع القرب إليه ، من بناء بيته وتهيئة الأجواء التي تقرب الناس منه وتبعدهم عن مجالات سخطه ، لأن المسجد هو المكان الذي يهيئ للناس الفرصة للاجتماع في العبادة والاندماج في روحية الدعاء وخشوع الابتهال ، فكانا يبنيان البيت كما لو كانا في حالة صلاة أو موقف طاعة يبتهلان إلى الله فيها أن يتقبل منهما ذلك : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) ، قرباتنا وابتهالاتنا وأعمالنا ، (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الذي يسمع نجوانا ويعلم ما في خفايا ضمائرنا ونيّاتنا من المحبة لك وإخلاص القرب إليك ، (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) (١) لنسلم لك في كل أقوالنا وأفعالنا
__________________
(١) وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ربما يرد سؤال أن إبراهيم وإسماعيل كانا مسلمين عند بناء البيت ، فما معنى الدعاء بأن يجعلهما الله مسلمين؟ وأجاب الطبرسي في مجمع البيان بأن المقصود : وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ في مستقبل عمرنا ، كما جعلتنا مسلمين في ماضي عمرنا ، بأن توفقنا وتفعل بنا الألطاف التي تدعونا إلى الثبات على الإسلام. [مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٣٩٣]. وذلك تماما كما هي الحال في قوله تعالى :(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) [إبراهيم : ٤٠] ، ـ