الجوّ الروحي في بناء المؤسسات
١ ـ الجوّ الروحي الذي ينبغي للعاملين الإسلاميين أن يعيشوه ، وهم يعملون في بناء المؤسسات ، فلا تشغلهم التزامات العمل وقضاياه المادية التي تفرضها طبيعة هذا النوع من العمل ، عن البقاء في الخط الروحي الواعي الذي ينفتح فيه الإنسان على الله الذي كان العمل من أجله ، ليبقى للعمل جوّ العبادة والواجب والمسؤولية ، فلا يتحوّل إلى غاية بعد أن كان وسيلة ، كما نشاهده في كثير من المؤسسات الدينية التي انطلق أصحابها من موقع الفكرة الرسالية في البداية ، حتّى إذا اندمجوا فيها وعاشوا في الأجواء المادية التي تفرضها العلاقات والالتزامات ، تحوّلوا إلى أشخاص جامدين لا يملكون أيّة حيويّة روحيّة في هذا المجال ، بل ربما تبدأ العقلية الفردية الضيّقة في التحكّم بطبيعة المؤسسات وخطواتها العملية ، فتتحول إلى شيء يخصّ الشخص أو الجهة ، في ما يفرضه المزاج أو تدعو إليه المصلحة الخاصة ، وقد يحدث ـ في هذا الجوّ ـ أن يبدأ الصراع بين مؤسسة وأخرى من خلال تعارض المصالح الفردية للقائمين عليها ، أو لتصادم الخطوط التي يسير عليها هذا أو ذاك ، وبذلك تصبح المؤسسات الدينية خطرا على العمل الديني بما تثيره من أجواء الحقد والبغضاء والتنافس الفردي على الأطماع والامتيازات ، وبما تتحرك فيه من أساليب وشعارات تستخدم القيم الدينية للمحافظة على أطماع الدنيا وشهواتها ، وربما كان السرّ في ذلك هو ابتعاد الأجواء عن الله واستغراقها في ظلمات الذات ، خلافا لما نستوحيه من أجواء إبراهيم وإسماعيل في روحيّتهما الفيّاضة الدافقة في بناء البيت الحرام.
* * *