الإسلام يجادل اليهود والنصارى
في هذا الفصل من السورة ، يلتفت القرآن إلى تحديد الخط المستقيم الذي أراد الله للحياة أن تسير فيه في العقيدة والعمل ، ويشجب الخطوط المتعرّجة المنحرفة في صعيد الواقع الذي يسير عليه الناس ، فقد واجه هؤلاء الذين ينغلقون على أنفسهم ليجعلوا من الدين انتماء فئويّا لا ينفتح إلّا على جماعة معيّنة وأفق ضيّق ، فكانوا يقولون للناس إنّ طريق الهدى لا يتّسع لغير اليهود ، في ما يقوله اليهود ، أو لا يتسع لغير النصارى في ما يقوله النصارى ، وكان الجواب أن طريق الحق أوسع من ذلك ، فإذا كان اليهود والنصارى يؤمنون بإبراهيم وملّته ، فإنّ ملّة إبراهيم هي الملة التي تلتقي عليها كل الخطوط ، باعتبارها تمثل خط التوحيد الخالص الذي يستوعب كل الرسالات ويحتضن كل الأنبياء ، فلا يضيق عن أحد ولا ينغلق على فئة ، فهو الدين الحق الذي يهتدي المؤمنون به ، أمّا الذين يعرضون عنه ، فهم الذين لا يريدون للحياة أن تهدأ وتطمئن وتسير في الطريق المستقيم ، بل يثيرون فيها الشقاق والخصام الذي لا ينتهي إلى أية نتيجة مما يحاولونه من الأهداف الشريرة ، مهما عملوا ومهما امتدوا في أساليبهم ، لأن الله سيتكفل بهم في الدنيا والآخرة ، فقد وعد نبيّه بأنه سيكفيه عدوانهم وشرّهم ، وهو السميع لكل ما يفيضون فيه من قول وما يثيرونه من مشاكل وهو العليم بسرّهم وعلانيتهم.
ويلاحظ في هذه الآيات أن القرآن يعتبر القياس في صحة سلوكهم هو انسجامهم مع ملّة إبراهيم ، باعتبار أن رسالة موسى وعيسى كانت سائرة في هذا الاتجاه ، فإذا كان هناك انحراف عنها ، فمعنى ذلك أنهم يسيرون على غير هدى هاتين الرسالتين.