يهوديا ولا نصرانيا ، بل كان حنيفا مسلما ، وما كان من المشركين.
ثم يواجههم بالحقيقة الصارخة ، وهي أنهم يعرفون ذلك تمام المعرفة ، ولكنهم يكتمون هذه المعرفة ويمتنعون عن أداء الشهادة وهذا يعتبر من أشد أنواع الظلم ، لأنه تمرّد على الله ، وظلم للحقيقة واعتداء على الناس وعلى الحياة. ثم يختم الآية بما يشبه التهديد ، فإن الله ليس بغافل عما يعملون ، فهو الرقيب عليهم في الدنيا والحاكم عليهم في يوم القيامة ..
وتصل القصة إلى نهايتها لتواجه المسلمين بالفكرة الأساسية التي يتحرك في نطاقها التاريخ في حياة الناس ، فإن التاريخ لا يحمّل الفئات اللاحقة مسئولية الفئات التي عاشت فيه ، كما أن الفئات السابقة لا تتحمل وزر الفئات اللاحقة ، لأن المسؤولية لا تتحرك إلا في المجال الذي يتحرك فيه العمل وتنطلق معه الحياة ... أمّا التاريخ ، فهو كتاب الحياة الذي يحمل الدروس والعبر من جيل لآخر ، لتعيش الأجيال الفكرة الحقة من خلال تجاربها وتجارب الآخرين في السير الواعي لحركة الحضارات ...
* * *
ملّة إبراهيم من الإسلام
(وَقالُوا) أي اليهود والنصارى : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) ، فقد انطلق كل فريق من أتباع هذين الدينين ليؤكد صحة دينه في مقابل الإسلام الذي دخل فيه الناس هناك ، على أساس أن اليهودية من وجهة نظر اليهود ، أو النصرانية من وجهة نظر النصارى ، هي الوسيلة الوحيدة التي تقود إلى الهدى في قضايا الدنيا والآخرة انطلاقا من دعواهم بأنهم هم الذين يمثلون شريعة إبراهيم في خصوصياتهم العقيدية والشرعية والأخلاقية التي