عليهم وكلّفهم به (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) ، لأننا نؤمن بالرسل كلهم مهما اختلفت خصوصياتهم ومراحلهم ، كما نؤمن بالكتاب كلّه مهما تنوعت آياته ، (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ، فإننا نسلم إلى الله كل حياتنا وكل أمورنا ، لأن الإسلام هو دين الله في كل مواقعه في حركة الرسل في التاريخ.
* * *
الحوار المنفتح على القلب ومواطن اللقاء
ولنا في التعليق على هذه الآية كلمتان :
الأولى : أنها تمثل أنموذجا لأسلوب الحوار في الإسلام ، وخلاصته البحث عن مواطن اللقاء في بداية الحديث من أجل الإيحاء بوجود قاعدة مشتركة للفكر المتنوع ، وأرض مشتركة للموقف المتعدد ، مما يوحي للآخر بأنك إذا اختلفت معه في إيمانك بما أنزل إليك من القرآن ، فإنك لن تختلف معه في إيمانك بما يؤمن به ـ من ناحية المبدأ ـ من التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم ، وتعاليم النبوّات المشتركة بين الأديان من خلال الأنبياء الذين يلتقون على رسالات الله ، فيلتقي المؤمنون على الإيمان بهم.
وهذا الأسلوب من أوضح الأساليب وأكثرها حكمة وانفتاحا ، لأنه يخلق جوّا نفسيا ملائما يؤدي إلى حالة حوارية حميمة تفتح العقل من خلال النافذة المطلة على القلب ، باعتبار أن أقرب طريق إلى عقل الإنسان هو الطريق الذي يؤدي إلى قلبه ، لأنه إذا أحبّك أحبّ فكرك ، وإذا انفتح عليك ـ من الناحية الشعورية ـ انفتح عليك من الناحية العقلية.
ولعلّ مشكلة الكثيرين من الناس أنهم يركزون على مواقع الخلاف التي تغلق القلوب بدلا من مواقع الوفاق التي تفتحها ، لأنهم لا يعيشون المحبة للآخرين في الرسالة ، بل ينطلقون بها من موقع العقدة والحقد