مواجهة القضية من جانبها الفكري بعيدا عن التأثيرات الذاتية الضاغطة. ولا بد لنا ـ ونحن نثير هذا اللون من الأسلوب ـ من التدقيق جيدا في طبيعة الواقع الموضوعي الذي تنطلق فيه المشكلة وتتحرك فيه عمليات الإثارة ، لئلا نخطئ في استعماله في ما لا ينسجم مع المصلحة الإسلامية العليا في الدعوة والعمل.
* * *
الأمّة المسلمة هي الأمّة الوسط
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) تقف في الموقع المميّز بين سائر الأمم من خلال الموقع القيادي للرسالة القائدة والدور القائد في الدعوة والحركة ، كما كان الرسول كذلك بالنسبة إليهم في تبليغه وهدايته وقيادته. (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بفعل المهمة الموكولة إليكم في حركتكم القيادية في اتجاه الناس مما يستدعي المواكبة والمراقبة والمتابعة بالمستوى الذي يؤهلكم للشهادة عليهم من موقع الإشراف على حركتهم في الخط الفكري والعملي ، (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) لأنه هو الذي صنع الأمّة في وجودكم عند ما أطلق الرسالة لتكون عنوانا لكم ، وحمّلكم مسئوليتها لتحدد لكم الدور القيادي ، ليشهد عليكم أمام الله كيف كانت مواقعكم ومواقفكم وأوضاعكم ودعوتكم إلى دينه.
في هذه الآية حديث عن الأمة المسلمة بأنها «وسط» في ما جعله الله للمسلمين من موقع قيادي في الحياة ، وأنها شاهدة على الناس ، وحديث عن الرسول بأنه شاهد على الأمّة .. فكيف نفهم هذه «الوسطية» وهذه الشهادة؟