لقومه ومواجهته لطاغية زمانه ، من دون أن نلمح في أيّ موقف من هذه المواقف شعورا بالضعف أو الإحراج أو الصعوبة ، بل هو الانسجام القوي مع المهمة والمسؤولية ، والانطلاق معها في قوّة وإخلاص ، والانسياب الروحي في عمق الإيمان الكبير بالله الذي يتفايض بالحب والوداعة والحياة في كل كلمة وفي كل موقف ، فلا نجد ، حتى في أشدّ المواقف صعوبة وخطورة ، أيّ ابتعاد عن جو الإيمان ، أو أيّ غياب عن الله ، بل هو الحضور الدائم الذي يشعر معه بوجود عين نفّاذة في القلب والضمير واللسان والفكر والشعور والوجدان وهي تحدّق بالله هنا وهناك ، في كل مظهر من مظاهر الخلق وفي كل سرّ من أسرار الوجود.
وفي هذا الجو الرائع من ملامح شخصيته ، يمكن للعاملين ، في كل زمان ومكان ، استيحاء هذا النموذج النبوي الرسالي في وداعة الروح الرسالية وصفائها ، وفي استغراقها في الله في حضور روحيّ منفتح لا في غيبوبة صوفية غارقة في الضباب.
وقد لا تكون شخصية النبي إبراهيم عليهالسلام هي النموذج الأوحد للأنبياء في هذا الفيض الروحي من الإيمان والوداعة والصفاء ، ولكن القرآن لم يفض في الحديث عن نبي من الأنبياء كما أفاض في الحديث عن إبراهيم عليهالسلام في التأكيد على ملامح الشخصية الواحدة المتنوعة في مجالاتها مع وحدة المشاعر وطهارتها وصفائها ، فإننا نلاحظ ، في ما يأتي من حديث التفسير ، أنه أثار أمامنا قضية إيمانه في حوارة مع نفسه ومع قومه ومع الله ، فنجد أنه يأخذ مساحة كبيرة من قصته ، وقد لا يكون من الضروري أن تتحرك القصة من موقع المعاناة الذاتية لإبراهيم عليهالسلام في كل ما قاله ، فربما كانت بعض الأحاديث أسلوبا من أساليب الرسالة في عرض الفكرة بطريقة الحوار .. ولكنها لا تخلو من إيحاء بالروح التي توحي بهذه الكلمة أو تلك ، أو بهذا الأسلوب أو ذاك ، فإن للكلمات وللأساليب روحا لا تختفي في المعنى اللغوي للكلمات ، أو في