(وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ). الظاهر أنها إشارة إلى هذه الحادثة التي تتمثل في تحويل القبلة إلى الكعبة ، باعتبار أنها هزّت المجتمع المسلم من ناحية فكرية وعملية ، فأثارت في داخله الشعور باهتزاز التشريع وعدم ارتكازه على أساس متين من المصلحة والحكمة الثابتة التي لا تغيّرها الظروف والأحوال في ما كان يوحيه اليهود للمسلمين من نظريتهم حول النسخ ، كما كانوا يوسوسون لهم بأن صلاتهم التي كانوا يتوجهون بها إلى بيت المقدس قد ضاعت عليهم ، لأنها كانت إلى غير القبلة الحقيقة ، فأشبهت حالهم حال الذين لا يتوجهون في صلاتهم إلى الكعبة الآن ، ولكن الذين هداهم الله وعرّفهم حقيقة شريعته وطبيعة ارتباط التشريع ، وهو الذي يعرف وجه الحكمة في ما يحرّم وفي ما يحلّل ، انطلاقا من اختلاف المصلحة في بعض الأشياء حسب اختلاف الظروف والأحوال ، انطلقوا في الموضوع انطلاق تسليم وانقياد وطاعة مطلقة ، ووعي منفتح على خلفيات التشريع الحكيمة.
أمّا قضية ضياع إيمان المؤمنين ، في ما تمثله الصلاة من روح الإيمان ، فليس واردا في حساب الله ، (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) ، لأنهم قاموا بالصلاة على أكمل وجه ، فإن العبرة بحصول الشروط في حال القيام بالصلاة ، فلا يتبدل الحال من هذه الجهة إذا تبدلت الشروط ، لأن الشرط الجديد لا يترك أثرا رجعيا على الأعمال السابقة ، بل يقتصر تأثيره على الصلوات المقبلة ، وهذا ما ينسجم مع رأفة الله ورحمته بعباده ، حيث يحفظ لهم أعمالهم ويثيبهم عليها إذا كانت واجدة لشروطها الكاملة (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
وقيل : إن المراد «بالقبلة التي كنت عليها» هي الكعبة ، «لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلي بمكة إلى الكعبة ، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود ، ثم حوّل إلى الكعبة ، فيقول : وما جعلنا