تعالى ، فإنه تعالى أخبر عن نفسه فقال : أنا جليس من ذكرني ، وقال سبحانه : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢] ، يعني اذكروني بالطاعة والعبادة أذكركم بالنعم والإحسان والرحمة والرضوان» (١) ..
وعن الحسن البزّاز قال : «قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : ألا أخبرك بأشد ما فرض الله على خلقه (ثلاث)؟ قلت : بلى ، قال : إنصاف الناس من نفسك ، ومواساتك أخاك ، وذكر الله في كل موطن ، أما إني لا أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وإن كان هذا من ذاك ، ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو على معصية» (٢) ... وليس معنى التأكيد للجانب العملي للذكر ، هو التهوين من الجانب الآخر الذي يتمثل في الذكر باللسان في كلمات التسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار ، بل قد يكون هذا مقدّمة لذاك ، لأن الاستمرار في ذكر آلاء الله ونعمائه وعظمته يخلق لدى الإنسان حالة رائعة منفتحة على الله حتى ليحس به في كل شؤون حياته ، مما يؤدي به إلى الإحساس بضرورة طاعته في كل شيء ...
وفي ضوء ذلك كله ، نفهم أن المقابلة بين ذكر الله لعبده وبين ذكر العبد لله تعطينا الفكرة الإسلامية التي توحي للعبد بأن استحقاقه لرعاية الله له بنعمه وألطافه ، مشروط بانضباطه العملي أمام أوامره ونواهيه كما هي الحال في ميثاق الله لعباده ، وعهد العباد أمام ربهم في قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة : ٤٠].
وإننا نشعر في هذا التأكيد على ذكر الله في الكلمة والموقف ، بأن حركة
__________________
(١) البحار ، م : ٣٢ ، ج : ٩٠ ، ص : ٣٣٤ ، باب : ١ ، رواية : ٤٢.
(٢) م. ن ، م : ٢٦ ، ج : ٧٢ ، ص : ٢٨٦ ، باب : ٥٣ ، رواية : ٢٩.