تلتقي بالصلاة في أجواء الطواف والسعي ، والوقوف بعرفات والمزدلفة ، والمبيت بمنى ، حيث يعيش الإنسان أعمق حالات التأمل وأصفى مشاعره ، وأرفع درجاته. أما الإحرام ، فإنه يمثل الالتقاء بالصوم حيث يفرض على الإنسان الالتزام الطوعي الاختياري بكثير من الأشياء التي تتصل بشهواته وعاداته وأخلاقه ، فتمثل مرحلة تدريبية صعبة يتعلم فيها الصبر والخشونة واحترام مشاعر الآخرين ، واحترام كل شيء محترم حوله حتى الحيوان والنبات. إلى جانب دقّة الملاحظة عند ما يراقب كل حركة من حركاته حتى سقوط الشعر وحكّ البدن والنظر في المرآة. أما رمي الجمار ، فإنه يمثل الرمز العملي للصراع مع الشيطان ، في ما تمثله الجمرات من رمز.
وهكذا يتحرك الإنسان من عمل إلى عمل ليحقق لنفسه البناء الروحي والفكري والعملي في أجواء العبادة التي يعيش في داخلها اللقاء بالله. وبذلك لا تشارك العبادة في عزل الإنسان عن الحياة ، بل هي ـ على العكس من ذلك ـ تدفعه دفعا إليها بكل قوة من موقع الروحية التي تعطي المادة معناها دون أن تفقدها صفاتها المادية.
وقد لا يكتفي الإسلام في تحقيق معنى العبادة بما افترضه وشرعه من أشكالها ، بل يمتد بها حتى يجعل كل عمل محبوب لله عبادة إذا قام به الإنسان لوجه الله. وقد كثرت الأحاديث التي ترى في طلب العلم ، وفي العمل في سبيل العيال ، وفي العفاف وقضاء حاجة المؤمن ، وتفريج كربته ، عبادة يكسب الإنسان بها رضى الله كأي عبادة من العبادات المعروفة.
وفي ضوء ذلك كله ، نجد في كلمة : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) إيحاء بالإتمام من الناحية الروحية التي يعيش الإنسان فيها أجواء الحج ، بالمستوى الذي يرتفع فيه إلى الآفاق العالية التي تمثلها هذه الفريضة ، ويتحرك معها بأخلاقية إسلامية كاملة ، فلا يكتفي بالشكل ويبتعد عن المضمون ، لأنه يمثل ـ في هذه الحالة ـ الإتمام الشكلي إلى جانب النقص الواقعي المضموني ،