وإنّ الانتصارات في ساحة التحدي لا بد من أن تنطلق من السنن الطبيعية لحركة الصراع الإنساني في قضايا النصر والهزيمة ، ومن الشروط الموضوعية للنتائج الإيجابية في هذه الأمور ، ليتعرفوا أن مجرد الانتماء إلى الإسلام الذي هو دين الله لا يكفي في تحقيق النصر لهم ما لم يأخذوا بأسباب النصر التي يفتح الله من خلالها ألطافه ، فلا يمكن أن يكونوا استثناء من سنن الله الثابتة في الكون.
ولكنّ الجنة تنال بالمواقف الصعبة التي يواجه فيها المؤمن القوي الطاغية. وقد جاءت هذه الآية لتعبر للمسلمين عن هذه الفكرة ، من خلال المثل التاريخي للرسالات السابقة التي عاش فيها المؤمنون الأولون مع أنبيائهم التحديات الصعبة ، التي جعلتهم يواجهون حالة الزلزال النفسي والروحي ، وربما الزلزال الفكري ، من خلال صعوبة ما واجهوه من مشاكل وتحديات ؛ فقد (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) مسّت أنفسهم وأموالهم ومصالحهم العامة والخاصة ، وحاولت مجتمعات الكفر لديهم أن تضعفهم وتقهرهم ، فاستخدمت كل الأساليب التعسفية في مجال القهر الجسدي والروحي والفكري حتى تهز قناعاتهم ، وتحطم مواقفهم ، وترجعهم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل الإيمان ..
وكان الزلزال ، فقد بدأ الرسول والذين آمنوا معه يتساءلون : (مَتى نَصْرُ اللهِ) فقد وعدنا الله بالنصر على قوى الكفر. ولم يكن هذا التساؤل منطلقا من حالة شك في وعد الله ، بل الظاهر أنه منطلق من حالة استعجال له وترقب لتنفيذه ، وتساؤل عن موعده بعد أن أصبح الموقف شبه يائس من الوجهة الواقعية. فالكفر في موقع القوة المتنامية المتصاعدة ، والإيمان في موقع الضعف المستمر المتزايد ، والأوضاع المحيطة بالواقع لا تبعث على التفاؤل الكبير ، فلم يبق لهم إلا الغيب المودع عند الله. ومن خلال ذلك ، نفهم أن الزلزال يتحرك من طبيعة الظروف التي تتحفز لتثير في النفس الشعور السلبي