وثانيا : من الممكن أن يكون هذا الشاعر قد استوحى القرآن في هذا التعبير ، أو استوحى الكلمة الدالة على أن مضمون الإثم هو حالة في الشيء أو في العقل يبطئ الإنسان عن نيل الخيرات ، فأطلقها عليه من باب إطلاق المفهوم على المصداق ، لاشتمال الخمر على ما يوجب فساد العقل ، لا من باب إطلاق الكلمة على معناها.
وثالثا : إن ملاحظة صاحب الميزان في إثبات سبق آية الأعراف غير دقيقة ، لأن النهي المطلق في آية البقرة وآيتي المائدة كان واردا بالأسلوب الذي يركز على الأساس السلبي للخمر في العناوين المذكورة التي توحي بالحرية وتأمر بالاجتناب ، بحيث يعيش فيها القارئ الجو الفكري في الخط التشريعي ، بينما لا توحي آية الأعراف إلا بالتشريع فقط في الحديث عن تحريمه إلى جانب المحرمات الأخرى ، فلا مانع من أن تكون تلك الآية مقدمة لآية الأعراف ، باعتبار أنها جاءت حاسمة في بيان الحرمة بلفظها من دون لبس أو إشكال بعد إعداد الجو النفسي المتنوع للمسلمين في هذه المسألة.
ويؤيد ما ذكرناه الرواية الأخرى الواردة في الكافي ، بطريق مرسل ، فقد روى عن بعض أصحابنا مرسلا قال : إن أول ما نزل في تحريم الخمر قول الله عزوجل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ، فلما نزلت هذه الآية أحسّ القوم بتحريمها وتحريم الميسر ، وعلموا أن الإثم مما ينبغي اجتنابه ولا يحمل الله عزوجل عليهم من كل طريق ، لأنه قال : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ثم أنزل الله عزوجل آية أخرى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة : ٩٠] فكانت هذه الآية أشد من الأولى ، وأغلظ في التحريم ، ثم تلت آية أخرى فكانت أغلظ من الأولى والثانية وأشد ، فقال الله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ