[النساء : ١٠] الآيتين ، انطلق كل من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه. فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد فيرمي به ، فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأنزل الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم (١).
فكان الجواب تحديدا للخط العام والإطار الشامل لذلك : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) فلا بد من دراسة كل أمورهم في نطاق الإصلاح لدنياهم وآخرتهم ، لأنهم أمانة الله لدى المجتمع ، فعلى أفراده أن يراعوا جانب الصلاح معهم ، كما يراعون ذلك في جانب الأمانة العادية في ما يتعلق بحفظها ورعايتها. وقد تكون القضية أبعد عمقا وتأثيرا في جانب اليتامى ، لأن إصلاح أمر الإنسان الذي لا يملك تدبير شؤونه ورعايتها قد يدخل في تعقيدات كثيرة تحتاج إلى المزيد من الدقة والتأمل والإيمان ، لئلا يفسد الإنسان الأمر من حيث يريد إصلاحه ، أو يفسد الأمر الصالح من حيث لا يريد إفساده.
ثم أكد القضية من جهة أخرى ، فأثار أمامهم موضوع المخالطة لهم (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) ، وأراد من المسلمين أن يخالطوهم من موقع الشعور بأنهم إخوة في الدين ، كما يخالط الأخ أخاه في النسب من حيث احترامه له ورعايته لأموره ، وحفظه لماله على هدى قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) [النساء : ٢]. وأن لا ينظروا إليهم نظرة فوقية إشفاقية من خلال ضعفهم الطبيعي وحاجتهم الملحّة إليهم ، فإن ذلك يثقل على نفوسهم ، ويهدّم معنوياتهم ، ويعقّد حياتهم ، ويعطّل نموهم الطبيعي في الحياة. وربما كانت هذه الفقرة واردة في الإذن لهم في ما كانوا يتحرجون فيه من مخالطتهم في المأكل والملبس والمشرب ونحو
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ١ ، ص : ٦١٢.