إن القرآن يناقش الفكرة بهذا الأسلوب الذي يصور القضية في مقام إثارتها بطريقة أن ذلك ليس من حق النبي ، وليس من شأنه ، من أجل الإيحاء بأنه لا يفعل ذلك ، لأنه لا يتجاوز حدّه الذي حدده الله ـ سبحانه ـ له ؛ وليس في مقام التنديد بمن يفعل ذلك من الأنبياء ، فإن الآية واردة في مقام الكناية.
* * *
الأنبياء يبرزون بشريتهم
وقد نستوحي من هاتين الآيتين أن الأنبياء لا يتحدثون عن أنفسهم كثيرا للناس ليثيروا في حياتهم الشعور بالتعظيم والتقديس لهم ، بل هم ـ على العكس من ذلك ـ يعملون على تأكيد جانب البشرية في ذواتهم بشكل صريح مؤكّد ، ويبرزون نقاط الضعف البشري بطريقة واضحة ... كما نجد ذلك في ما حكاه الله عن رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حوارة مع المشركين ، الذين طلبوا منه فعل بعض خوارق العادة التي يقترحونها للدلالة على نبوّته انطلاقا من عقيدتهم فيه بأنه مزوّد بطاقات هائلة يستطيع أن يقوم من خلالها بكل شيء يطلب منه. فقد أجابهم بقوله : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣] ؛ وقوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف : ١٨٨] (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) [الأعراف : ٢٠٣] ؛ وهكذا نلاحظ أن القرآن لم يتحدث عن الأنبياء إلا من خلال صفاتهم الذاتية المتصلة برسالتهم ، كما حدثنا عن حركة الرسالة في حياتهم وما لاقوه من عنت واضطهاد وتشريد ... وعن بعض نقاط الضعف البشري التي عاشوها في واقعهم الداخلي والخارجي ، من أجل إبعاد الناس عن الضلال والغلوّ ، ليظلّ التصور في العقيدة مشدودا إلى الواقع ، بعيدا عن كل ضروب الخيال والمثال الذي قد يطوف في أخيلة الكثيرين وأفكارهم.