(ما كانَ لِبَشَرٍ) أي : ما ينبغي له ، فليس ذلك من شأنه في ما جعله الله للبشر ـ أيا كان ـ من الشأن والموقع والدرجة (أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) الذي أنزله عليه وكلفه بإبلاغه للناس ، (وَالْحُكْمَ) الذي يرد منه التحرك في الساحة العامة للناس بإدارة أمورهم ، وحل مشاكلهم وفصل القضايا في منازعاتهم ، ليكون الحاكم في ذلك كله باعتبار أن الله جعل الرسول حاكما بين الناس كما في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) [النساء : ١٠٥]. وقوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) [المائدة : ٤٩] (وَالنُّبُوَّةَ) وهي الرسالة التي أراد الله منه أن يحملها للناس ليبلغهم كلمات الله وتعاليمه وآياته (ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) لأن الله يختار هؤلاء البشر من الصفوة الطيبة الخالصة من بين الناس ، بحيث يعيشون التوحيد في كل وجودهم حتى يتحوّل إلى عنوان للذات في الفكر والعاطفة والحركة والحياة كلها ، فلا مكان لغير التوحيد في ذواتهم ، وينطلقون من قاعدة الصدق في التزاماتهم بالحق ، في إحساسهم به في أنفسهم ومع الله ومع الناس ، فهم الصادقون مع أنفسهم وربهم والناس من حولهم ، فلا يتحدثون عن الله إلا بما بلغهم إياه ، ولا يبلغونهم إلا ما أوحى به إليهم من دون زيادة ولا نقصان ولا تحريف ، فلا يمكن ـ والحال هذه ـ أن يستغرقوا في عبادتهم لأنفسهم بحيث ينحرفون في التصور ليبتعدوا عن الإحساس بعبوديتهم لله وربوبيّته لهم ، فيطلبوا من الناس أن يعبدوهم من دون الله ، كما هو الحال عند بعض الناس الذين ينطلقون في البداية من موقع الإصلاح ورسالة تغيير الواقع على أساس الحق ، ثم يكبر موقعهم ، وترتفع درجتهم في الحياة الاجتماعية والسياسية أو غير ذلك ، وتتضخم شخصيتهم عند الناس وعند أنفسهم ؛ فيتصورون أنفسهم أربابا من دون الله ، فيدعون الناس إلى عبادة ذواتهم بدلا عن الله.