فهم الآية
وقد يجد الإنسان في بعض الكلمات المرويّة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وهو الإمام جعفر الصادق عليهالسلام ، حيث يروى عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)؟ قال : منسوخة ، قلت : وما نسختها؟ قال : قول الله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١). قد يجد البعض في مثل هذه الرواية دلالة على أنّ هناك تنافيا بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، في اعتبار الآية الثانية ناسخة للأولى ، ولكننا ، مع التحفظ في سند الرواية ، نشعر أن النسخ هنا لا يراد به ظاهره من تبديل المفهوم إلى مفهوم آخر ، لأن الآية الأولى تتحدث عن حدود التقوى التي تدفع الإنسان إلى تحويل التقوى إلى موقف عملي في الحياة ، بينما تتحدث الآية الثانية عن الدعوة إلى مواجهتها من موقع القدرة في كل مراحلها التصاعدية ، وهذا ما يجعل كل واحدة تتخذ لنفسها مسارا غير ما تتخذه الثانية.
وقد لا نستطيع ـ في هذا المجال ـ أن نفهم القضية كما فهمها صاحب تفسير الميزان من أن حق التقوى «ليس في وسع كثير من الناس ، فإن في هذا المسير الباطني مواقف ومعاهد ومخاطر لا يعقلها إلا العالمون ، ودقائق ولطائف لا ينتبه لها إلا المخلصون». (٢) أما اتقاء الله في حدود الاستطاعة ، فإنها تختلف ـ عنده ـ باختلاف قوى الأشخاص وأفهامهم وهممهم (٣). إننا لا نفهم منها هذا الفهم ، بل كل ما في الأمر أن هناك اتجاها في الدعوة إلى التقوى من خلال طبيعتها ، واتجاها إلى الدعوة إليها من خلال القدرات التي نملكها كقضية التحرك ، فهما بمثابة الآيتين اللتين تكلم إحداهما الأخرى بحسب المعنى الذي استوحيناه ، ولا يظهر منها إرادة الحد الأقصى من التقوى. أما الرواية التي أشرنا
__________________
(١) البحار ، م : ٢٤ ، ج : ٦٧ ، باب : ٥٦ ، ص : ١٦٨ ، رواية : ١٢.
(٢) تفسير الميزان ، ج : ٣ ، ص : ٤٢٠.
(٣) انظر : (م. ن) ، ج : ٣ ، ص : ٤٢١.