قالوا : هو من شعر الجن ، حروفه متنافرة ، لا يمكن إنشاده إلا بتتعتع فيه. والتلاؤم على ضربين أحدهما : في الطبقة الوسطى ، كقوله :
رمتني وستر الله بيني وبينها |
|
عشية آرام الكناس رميم |
رميم التي قالت لجارات بيتها |
|
ضمنت لكم أن لا يزال يهيم |
ألا ربّ يوم لو رمتني رميتها |
|
ولكن عهدي بالنضال قديم |
قالوا : والمتلائم في الطبقة العليا القرآن كله ، وإن كان بعض الناس أحسن إحساسا من بعض ، كما أن بعضهم يفطن للموزون بخلاف بعض.
والتلاؤم حسن الكلام في السمع ، وسهولته في اللفظ ، ووقع المعنى في القلب. وذلك كالخط الحسن ، والبيان الشافي ، والمتنافر كالخط القبيح. فإذا انضاف إلى التلاؤم حسن البيان ، وصحة البرهان في أعلى الطبقات ، ظهر الإعجاز لمن كان جيد الطبع ، وبصيرا بجودة الكلام ، كما يظهر له أعلى طبقة الشعر.
«والمتنافر» : ذهب الخليل إلى أنه من بعد شديد ، أو قرب شديد ، فإذا بعد فهو كالظّفر. وإذا قرب جدا كان بمنزلة مشي المقيد. ويبين ذلك بقرب مخارج الحروف وتباعدها.
وأما الفواصل فهي حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني ، وفيها بلاغة ، والإسجاع عيب ؛ لأن السجع يتبع المعنى. والفواصل تابعة للمعاني. والسجع كقول مسيلمة.
ثم الفواصل قد تقع على حروف متجانسة ، كما قد تقع على حروف متقاربة. ولا تحتمل القوافي ما تحتمل الفواصل ؛ لأنها ليست في الطبقة العليا في البلاغة. لأن الكلام يحسن فيها بمجانسة القوافي ، وإقامة الوزن.
وأما التجانس فإنه بيان بأنواع الكلام الذي يجمعه أصل واحد. وهو على وجهين مزاوجة ومناسبة. فالمزاوجة كقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) وقوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (٢) وكقول عمرو بن كلثوم (٣) :
__________________
(١) آية (١٩٤) سورة البقرة.
(٢) آية (٥٤) سورة آل عمران.
(٣) عمرو بن كلثوم التغلبي ، كان شاعرا مطبوعا ، وكان أعز الناس نفسا ، وأكثرهم امتناعا وأنفة ولقد ساد قومه وهو في الخامسة عشرة. مات سنة (٦٠٠ م). له ترجمة في : الأغاني ٩ / ١٨١ ، والشعر والشعراء (١١٧) ، والجمهرة (٧٤).